أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار أن أول مفاعل في محطة “آق قويو” النووية سيبدأ بإنتاج الكهرباء عام 2026، في خطوة وُصفت بأنها “تحول تاريخي” في مسيرة تنويع مصادر الطاقة في البلاد.
جاء تصريح الوزير خلال منتدى “يوراسيا فيرونا الاقتصادي الثامن عشر” الذي عُقد في إسطنبول، حيث أكد أن المشروع يمثل أحد أكبر مشاريع التعاون بين تركيا وروسيا في مجال الطاقة، ويعكس طموح أنقرة نحو الاستقلال التدريجي في تأمين احتياجاتها الكهربائية.
مشروع “آق قويو” النووي: شراكة روسية–تركية طويلة الأمد
تُشرف على تنفيذ المشروع شركة “آق قويو نوكليار إنك” التي تأسست في تركيا عام 2010 من قبل شركة “روس آتوم” الروسية الحكومية، وفق نموذج “البناء والتملك والتشغيل” الذي يتيح لروسيا بناء المحطة وتشغيلها وامتلاكها لفترة محددة قبل نقل إدارتها إلى الجانب التركي.
تقع المحطة في ولاية مرسين على الساحل الجنوبي لتركيا المطل على البحر الأبيض المتوسط، وتضم أربعة مفاعلات بقدرة إجمالية تصل إلى 4800 ميغاواط، ما يجعلها قادرة على تلبية نحو عُشر احتياجات تركيا من الكهرباء عند اكتمالها.
وبحسب الوزير بيرقدار، فإن جميع الوحدات الأربع قيد الإنشاء حالياً، ويُتوقع أن تدخل مراحلها التشغيلية تباعاً خلال الأعوام القادمة، لتشكل بذلك أكبر مشروع طاقة مشترك بين أنقرة وموسكو في التاريخ الحديث.
تعاون طاقي متشابك بين أنقرة وموسكو
أوضح بيرقدار أن التعاون مع روسيا في المجال النووي لا ينفصل عن الشراكة الأوسع بين البلدين في قطاع الطاقة، والتي تشمل الغاز الطبيعي وخطوط الإمداد العابرة للبحر الأسود.
وأكد أن العلاقات الثنائية في هذا المجال تتسم بـ”الاستمرارية الاستراتيجية”، حيث تُعتبر موسكو شريكاً رئيسياً في تزويد تركيا بالغاز وفي تطوير بنيتها التحتية للطاقة النووية السلمية.
وتأتي هذه المشاريع ضمن رؤية أنقرة الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، في وقت تسعى فيه الحكومة التركية لتحقيق التوازن بين أمن الطاقة والالتزامات البيئية.
آفاق الطاقة النووية التركية حتى عام 2050
كشف الوزير أن تركيا تستهدف رفع قدرتها الإنتاجية من الطاقة النووية إلى20 غيغاواط بحلول عام 2050، من خلال مشاريع جديدة يجري التخطيط لها في منطقتي تراقيا (شمال غرب البلاد) وسينوب على ساحل البحر الأسود.
وأضاف أن هذه المشاريع ستُنفذ بشراكات متعددة مع دول تمتلك خبرات تكنولوجية متقدمة، من بينها أذربيجان وإيران، إلى جانب توسيع البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال (LNG) لاستيعاب واردات أكبر وتوفير المرونة في منظومة الإمداد الطاقي.
ويُعد هذا التوجه جزءاً من استراتيجية “تركيا 2053 للطاقة النظيفة”، التي تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون وتعزيز الاعتماد على المصادر المستدامة، بما فيها الطاقة النووية والمتجددة.
تحديات تقنية ورهانات اقتصادية
رغم الطموحات الكبيرة، تواجه تركيا تحديات تتعلق بإدارة المخاطر البيئية وضمان الكفاءة التقنية في التشغيل، خصوصاً أن المشروع يعتمد على تقنيات روسية في وقت تتأثر فيه العلاقات الاقتصادية بين موسكو والغرب بالعقوبات الدولية.
غير أن أنقرة تراهن على أن استقلالية القرار الطاقي ستمنحها قدرة أكبر على المناورة في الأسواق الإقليمية والدولية، فضلاً عن تعزيز موقعها كمركز للطاقة في منطقة أوراسيا.
كما تتوقع الحكومة أن يسهم تشغيل محطة “آق قويو” في تقليص عجز الطاقة وخفض فاتورة الاستيراد، مما ينعكس إيجاباً على الميزان التجاري التركي.

