عقب إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه، اندلع نقاش بين المحللين السياسيين في تركيا حول كيفية وترجمة هذه المصالحة المبدئية إلى أرض الواقع، لينضم إليهم مؤخرا الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أرقم طوفان من خلال تحليل قدمه عبر صفحته على موقع يوتيوب.
يستهل الكاتب الصحفي والمحلل السياسي التركي أرقم طوفان تحليله بالتأكيد على أن ثمة جدلاً لا ينقطع في تركيا، يتمحور حول الهوية والانتماء واللغة. فمن جهة، هناك من يرى أن الدولة تسعى إلى تتريك الأقليات وطمس هوياتها – وغالباً ما يأتي هذا الرأي من الجانب الكردي. ومن الجهة الأخرى، هناك من يتوجس من “المؤامرة الانفصالية” ويخشى من محاولات تقسيم البلاد – وهو ما يعبر عنه غالباً التيار القومي التركي. وفي قلب هذا الاستقطاب، تقبع قضية اللغة الأم والتعليم باللغة الكردية كواحدة من أكثر المسائل حساسية.
اللغة الأم: هل تمهّد للتقسيم؟
يطرح طوفان سؤالاً مباشراً: “هل يمكن للحديث عن التعليم باللغة الأم أن يهدد وحدة تركيا؟” ليجيب: نعم، قد يؤدي إلى الانقسام، ولكن ليس بالطريقة التي يروج لها القوميون، بل من زاوية الإقصاء والإنكار المتراكم.
يشير الكاتب إلى أن اللغة الكردية ظلت ممنوعة لسنوات، ولم يُعترف بالهوية الكردية رسمياً، بل اعتُبر الكرد “أتراك الجبال”، وأُشيع أنهم سُمّوا “كرد” نسبة إلى أصوات أقدامهم في الثلج. رغم ما يبدو اليوم ساذجاً أو مثيراً للسخرية، فقد كانت هذه السرديات تُمثل الرواية الرسمية للدولة.
من الإنكار إلى التمرد: كيف بدأ الانفصال العاطفي؟
يلفت طوفان إلى أن الدولة لم تكتفِ بإنكار وجود الأكراد، بل منعت لغتهم وهويتهم ورفضت إعطاء حق التعليم بلغتهم الأم، ما أدى إلى تمردات، وحروب، وخسائر بشرية فادحة، وحالات من الإذلال الجماعي شملت قُرى أُحرقت وأفراداً أُجبروا على أكل البراز، بحسب قوله.
وبرغم مشاركة الأكراد في مؤسسات الدولة ووصولهم إلى المناصب العليا، فإنهم لم يُمنحوا، بحسب طوفان، الحق في الوجود بهويتهم الكردية. فالدولة أرادت منهم أن يصبحوا كل شيء “ما عدا أن يكونوا كرداً”.
النتائج: انقسام نفسي قد يسبق الانقسام الجغرافي
يؤكد طوفان أن رفض الدولة لحق الأكراد في التعليم بلغتهم الأم عمّق من حالة الانفصال العاطفي لديهم عن الدولة التركية، وهو ما قد يتحوّل، إذا استمر، إلى انفصال فعلي. ويشير إلى أن هذا الإنكار قد زرع بذور عدم الانتماء، وخلق حالة من الاستياء الجماعي والتمرد الصامت.
بين الأمس واليوم: تكرار أخطاء الدولة العثمانية؟
ينبّه طوفان إلى أن ما تواجهه تركيا اليوم ليس جديداً. ففي العصر العثماني، أقرّ دستور 1876 بأن اللغة التركية هي اللغة الرسمية، ولكنه لم يمنع استخدام بقية اللغات في المجال العام. ومع ثورة 1908، بدأ التضييق على اللغات غير التركية، ما تسبب في احتجاجات من العرب والألبان والأكراد، وأسفر عن توترات قومية ساهمت في تفكك الدولة العثمانية.
يشدد طوفان على أن الإنكار اللغوي والهوياتي لم يكن السبب الوحيد في انهيار الإمبراطورية، لكنه كان عاملاً حاسماً يجب ألا يتكرر.
من حق إلى خطر: لماذا يخشى البعض من التعليم بالكردية؟
يرى طوفان أن المخاوف من أن يؤدي التعليم بالكردية إلى الانفصال مبالغ فيها وغير مبررة، إذ أن الدولة ليست مهددة من لغة، بل من فقدان ثقة المواطنين فيها. ويضيف أن العديد من الأتراك يعتقدون أن منح هذا الحق يعني خسارة البلد، بينما الواقع هو أن إنكاره هو ما يؤدي إلى الانقسام.
منظور شامل: المسألة لا تهم الأكراد وحدهم
يشير طوفان إلى أن هذه القضية لا تخص الأكراد فقط، بل تمتد إلى بقية القوميات والأعراق التي تعيش في تركيا، مثل اللاز والشيشان والشركس والعرب، مؤكداً على أن الهوية المشتركة لا تُبنى بطمس الهويات الفرعية، بل بالاعتراف بها في إطار المواطنة المتساوية.
ما المطلوب؟ توصيات طوفان للحل
يلخص الكاتب ما يراه طريقاً للحل في النقاط التالية:
- التخلي عن السياسات التي تباعد بين المكونات المجتمعية.
- تبني مبدأ “المواطنة المتساوية” فعلياً، وليس فقط في الخطابات.
- إقناع الأغلبية التركية بضرورة الاعتراف بحقوق الأكراد، وفهم معاناتهم.
- منح التعليم باللغة الأم بوصفه حقاً إنسانياً لا منّة سياسية.
- تجاوز العقلية الأمنية والعسكرية في التعامل مع القضية الكردية.
ويختم طوفان بالتحذير من أن الفرصة الأخيرة لحل هذه الأزمة قد تكون على وشك الفوات، ويؤكد أن “المحبة لا تبنى بالقهر، ولا يمكن ربط من يشعر بالغربة بسلاسل القوة”.

