وصف عضو مجلس النواب الأمريكي من بنسلفانيا سكوت بيري اعتقال الحكومة التركية “فتيات قاصرات” لإجبارهن على الشهادة ضد والديهن بـ”تصرفات طاغيةٍ” لا يمكن أن يكون حليفاً لأمريكا وعضواً في حلف شمال الأطلسي، في إشارة منه إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ونشر بيري تغريدة على منصة إكس وضع فيها رابطًا لمقال كتبه لاعب كرة السلة السابق التركي الأمريكي في “إن بي أي” أنس كانتر فريدوم لصحيفة “نيوزويك” الأمريكية تناول فيه “قضية الفتيات القاصرات” في تركيا، ثم عقب بقوله: “اعتقلت تركيا 15 فتاة مراهقة -قاصرات- لإجبارهن على الشهادة ضد والديهن. هذه تصرفات طاغية، وليست حليفاً لأمريكا وعضواً في حلف شمال الأطلسي. وهذا الانتهاك لسيادة القانون الأساسية أمر غير مقبول على الإطلاق”.
شهدت تركيا اليوم عقد آخر جلسة من محاكمة 41 شخصًا، بينهم 15 فتاة مراهقة، في إطار قضية تعرف إعلاميا بـ”قضية الفتيات القاصرات”، بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة، لتتخذ المحكمة قرارًا بالإفراج عن فتاتين رهن المحاكمة، فيما قررت الإبقاء على ستة منهن في السجن، حتى البت في القضية، مما أثار استياء كبيرا بين المدافعين عن الحقوق.
وفيما يلي ترجمة مقال فريدوم المنشور بصحيفة “نيوزويك” بعنوان “تركيا تحتجز فتيات قاصرات.. إلى أي مدى قد يصل أردوغان؟:
في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، احتجزت السلطات التركية 15 فتاة تتراوح أعمارهن بين 13 و17 عامًا، مع تهديدهن بالإجبار على الإدلاء بشهادات ضد أشقائهن ووالديهن أمام المحاكم، في إطار حملة سياسية متزايدة ضد أفراد الشعب التركي. هذه الحملة، التي وصفها العديد بـ”مطاردة الساحرات”، تتطلب من العالم التحرك الفوري وإرسال رسالة واضحة إلى المحاكم التركية ووزارة العدل بأن هذا السلوك غير مقبول.
هذا التصرف غير المقبول ليس مفاجئًا بالنظر إلى تاريخ النظام التركي بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أثبت مرارًا وتكرارًا استعداده لتجاوز الحدود الدنيا في قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان. فمنذ سنوات، يشن أردوغان حملات قمعية ضد مواطنيه بدعوى انتمائهم أو حتى الاشتباه في انتمائهم إلى حركة “الخدمة”، وهي حركة مدنية سلمية تعتمد على التعليم والعمل الإنساني. في ظل هذه المزاعم، جعل النظام التركي من تفكيك الروابط العائلية أداة ضغط لإسكات معارضيه.
للأسف، هذه القصة ليست بعيدة عن تجربتي الشخصية. فقد تعرض والدي للسجن في محاولة للضغط عليّ، كوني أحد أبرز منتقدي النظام. كما اختطف النظام أقارب فتح الله غولن، مؤسس حركة الخدمة، وقام بملاحقة الآلاف من الأبرياء، حيث طردوا من وظائفهم، وسجنوا، بل وتعرض بعضهم للتعذيب.
والآن، يتم استهداف فتيات قاصرات في تركيا لإجبارهن على الإدلاء بشهادات ضد ذويهن، في تصعيد خطير ينتهك الحريات الأساسية وحقوق الإنسان.
تفاصيل الحادثة المروعة
في الساعات الأولى من صباح يوم 7 مايو، وبأوامر من المدعي العام في إسطنبول الذي برر العملية بالبحث عن “طفل متورط في جريمة”، داهمت الشرطة منازل 15 فتاة قاصرًا واحتجزتهن لـ16 ساعة. وخلال فترة الاحتجاز، عُوملت الفتيات كمجرمات، وحُرمن من التمثيل القانوني، وتعرضن لضغوط نفسية شديدة. هذا السلوك يناقض بشكل صارخ المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأطفال الضحايا والشهود على الجرائم، التي تؤكد على وجوب معاملة الأطفال باحترام وتعاطف مع مراعاة سنهم ونضجهم وظروفهم الفردية.
ورغم إطلاق سراح الفتيات في وقت متأخر من تلك الليلة، لم تنته معاناتهن عند هذا الحد. حيث ستُجبر الفتيات على المثول أمام المحكمة للإدلاء بشهادات ضد أفراد أسرهن، الذين وُجهت لهم اتهامات باطلة بالتورط في “أنشطة إرهابية”، والمقصود بها ببساطة الانتماء إلى حركة الخدمة، التي تركز على التعليم والتسامح بين الأديان والعمل الإنساني.
سياق أوسع للانتهاكات
هذه الحادثة ليست إلا جزءًا من نمط أوسع من التمييز ضد المشاركين في حركة الخدمة، والذي تصاعد منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016. ورغم الغموض حول هوية مدبري الانقلاب، استغلت السلطات التركية هذه الأحداث كذريعة لإغلاق 3,520 مؤسسة مرتبطة بالخدمة ومصادرة أصولها، بما في ذلك 1,284 مدرسة، و800 سكن طلابي، و147 وسيلة إعلامية، و54 مستشفى، و1,125 مؤسسة خيرية. بالإضافة إلى ذلك، تم ملاحقة أكثر من 690,000 شخص قضائيًا وإدانة أكثر من 122,000 منهم.
استخدام تركيا الفضفاض لتهمة “الإرهاب” أدى إلى تصرفات تعسفية تقوض المبادئ القانونية والحريات الفردية، بما في ذلك الاعتقالات غير المبررة، وعرقلة التمثيل القانوني، وتجريم الأنشطة الاجتماعية والدينية البسيطة. وأشار تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2021 إلى أن السلطات التركية “سخرت” قوانين مكافحة الإرهاب لاستهداف المنظمات المدنية. كما وصفت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز التعسفي، في العام نفسه، ممارسات السجن واسعة النطاق في تركيا بأنها قد تصل إلى جرائم ضد الإنسانية.
استهداف الأطفال القاصرين
الانتهاكات لم تقتصر على البالغين فقط. فمنذ عام 2015 وحتى 2021، تمت محاكمة 15,258 طفلًا بتهم تتعلق بالإرهاب، وفقًا لبيانات وزارة العدل التركية. وتشير التقديرات إلى أن نحو 20,000 طفل واجهوا اتهامات مماثلة منذ ذلك الحين، بينهم 3,763 طفلًا أُدينوا، و2,225 منهم حُكم عليهم بموجب المادة 314 من قانون العقوبات التركي بتهمة الانتماء إلى “منظمة مسلحة”.
في هذه الحادثة الأخيرة، تضمنت الاتهامات في لائحة الادعاء، التي جاءت في 529 صفحة، أنشطة عادية تمامًا مثل تقديم دروس تعليمية ودينية للأطفال، وتنظيم تجمعات اجتماعية، وتقديم المساعدة الغذائية. هذه الأنشطة التي تمت بموافقة أولياء الأمور، يتم تصويرها الآن على أنها دليل على التورط في جريمة إرهابية.
دعوة للتحرك الدولي
ما يحدث يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحرية والأمان، وحرية الدين، وحرية التجمع، وحظر التعذيب وسوء المعاملة. احتجاز القاصرات وإجبارهن على الإدلاء بشهادات تحت التهديد يشكل خرقًا فادحًا للمعايير الدولية.
لا يمكن للمجتمع الدولي أن يظل صامتًا أمام هذه الانتهاكات. يجب على المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية إرسال رسالة واضحة إلى القضاء التركي ووزارة العدل بأن استهداف القاصرات يمثل جريمة في حق الإنسانية.