اتهمت أحزاب المعارضة التركية حزب العدالة والتنمية الحاكم بانعدام الشفافية، مما يثير الشكوك حول نواياه والنتائج المحتملة للقاء الذي جمع يوم السبت بين ممثلي حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب الموالي للأكراد وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، المسجون منذ عام 1999.
وقد وافقت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخرًا على طلب الحزب للقاء أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون كمنظمة إرهابية منذ نحو نصف قرن بسبب نضاله المسلح من أجل حقوق الأكراد.
لقاء تاريخي في ظل ظروف متوترة
جاء هذا اللقاء بعد شهرين من دعوة رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي لأوجلان للتخلي عن العنف وحل حزب العمال الكردستاني، وهي مبادرة أيدها أردوغان. وفي أعقاب تلك الدعوة، سُمح لأوجلان بزيارة عائلية لأول مرة منذ مارس 2020، مما دفع حزب الديمقراطية والمساواة إلى طلب زيارة خاصة من وزارة العدل للقاء أوجلان.
تأخرت الموافقة الحكومية على طلب الحزب بسبب إعلان مسؤولية حزب العمال الكردستاني عن هجوم على مقاول دفاع تركي في أكتوبر، أسفر عن مقتل خمسة أشخاص.
أوجلان سبق أن أجرى محادثات مع السلطات لحل “القضية الكردية”، لكن آخر جولات عملية السلام مع حزب العدالة والتنمية انهارت في عام 2015، مما أدى إلى تصاعد العنف خاصة في الجنوب الشرقي ذي الأغلبية الكردية.
جاءت موافقة الحكومة على اللقاء بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في 8 ديسمبر، مما أضاف بعدًا جديدًا إلى السياق الإقليمي.
التقى ممثلو حزب الديمقراطية والمساواة، بيرفين بولدان وسري سريا أوندر، بأوجلان في سجن جزيرة إمرالي، في أول زيارة من نوعها منذ ما يقرب من عشر سنوات.
وفي بيان أعقب الاجتماع، نقل الحزب رسالة أوجلان التي شددت على أهمية الأخوة بين الأتراك والأكراد والتزامه بحل القضية الكردية في إطار سلمي. كما أبدى استعداده للمساهمة الإيجابية في العملية الجارية التي أطلقها أردوغان وبهجلي ضمن ما وصفه بـ”النهج الجديد” لتحقيق السلام.
ردود فعل متباينة من المعارضة
دعت أحزاب المعارضة إلى مزيد من الشفافية في هذه العملية، معتبرة البرلمان التركي المنصة الرئيسية لمعالجة مثل هذه القضايا المصيرية.
وقال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري، دينيز يوجيل: “نعتقد أن الحل يجب أن يُوجد ضمن إطار البرلمان. أي عملية تتجاهل مشاعر عائلات الشهداء والمحاربين القدامى ستكون غير مقبولة”.
كما أعرب حزب الخير عن عدم يقينه تجاه نوايا الحكومة حيث تساءل زعيم الحزب، مساوات درويش أوغلو: “ما زلنا لا نفهم تمامًا ماهية النهج الجديد أو ما تسعى الحكومة لتحقيقه. الوضوح أمر حيوي”.
أما زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، الذي فاجأ الكثيرين بمبادرته، فقد واجه ردود فعل متباينة، ويعتقد محللون أن دعمه يعكس استراتيجيته – مع أردوغان – لمعالجة الاضطرابات الإقليمية وتعزيز الوحدة الوطنية قبيل الانتخابات المقبلة.
من جهة أخرى، أدان رئيس حزب النصر، أوميت أوزداغ، المحادثات بشدة، واتهم الحكومة بتمكين أوجلان للترويج لأجندته، ووصفها بأنها تعرض وحدة البلاد للخطر.
أما الأصوات الأخرى، مثل حزب الاشتراكية الكردستاني ومركز دجلة للأبحاث الاجتماعية (DİTAM)، فقد دعت إلى توسيع المشاركة في العملية. وحذر نائب رئيس مركز دجلة، سدات يورتداش، من مخاطر الحلول “الفوقية” التي قد تستبعد الأطراف الفاعلة الرئيسية.
ودعا رئيس حزب الرفاه الجديد، فاتح أربكان، إلى إشراك ممثلين محليين ومجتمعات إقليمية بدلًا من التركيز على المفاوضات رفيعة المستوى فقط، قائلاً: “الحل الحقيقي يتطلب إشراك جميع الأطراف المتأثرة”.
مقارنة بالماضي: دروس مستفادة ومخاوف قائمة
لا يمكن تجنب المقارنات بين العملية الحالية وجولات السلام الفاشلة بين عامي 2012 و2015، إلا أن المراقبين لاحظوا اختلافات جوهرية، أبرزها زيادة إشراك طيف سياسي أوسع هذه المرة، فضلاً عن الديناميكيات المتغيرة في الشرق الأوسط بعد التغيرات في سوريا.
ومع ذلك، يظل العديد من النقاد متشككين، ويزعمون أن نهج حزب العدالة والتنمية يضع المكاسب السياسية فوق الحلول المستدامة، مشيرين إلى غياب خارطة طريق واضحة كدليل على هشاشة هذه الجهود.