شهدت أنقرة خلال الأسابيع الماضية ثلاث اجتماعات للجنة الخاصة بما يسمى عملية “تركيا بلا إرهاب” تحت قبة البرلمان، وسط أجواء وصفت بالهادئة والتوافقية.
المشهد العام، كما نقلته وسائل الإعلام، أظهر ارتياحاً لدى ممثلي أحزاب “تحالف الجمهور” المتمثل في حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، إضافة إلى حضور ممثلي حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب المؤيد للأكراد.
رئيس البرلمان التركي، نعمان قورتلموش، أكد في تصريحاته على أهمية اللجنة، مشدداً على أن جميع أعضائها “يتحدثون بحرية كاملة، كأنهم جميعاً من فريق واحد يسعى لاتخاذ القرار الصحيح”، ودعا إلى تقديم كل المقترحات الممكنة دون قيود.
تصريحات هكان فيدان: لهجة حادة تجاه واي بي جي
في موازاة هذا المسار، جاءت تصريحات وزير الخارجية التركي هكان فيدان لتكشف عن ملامح توتر سياسي داخل المشهد. فيدان اتهم “وحدات حماية الشعب” (YPG) – التي يصفها بأنها الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني – بلعب دور “المعطل” ورفض إلقاء السلاح.
وأشار إلى أن التصريحات الصادرة عن قوات سوريا الديمقراطية (SDG) تعكس، برأيه، فهماً مغايراً لما ورد في “اتفاق 10 مارس” بين أنقرة ودمشق، مؤكداً أن ما تم الاتفاق عليه لا يُلزم تركيا إلا بما ورد نصاً في بنوده.
ووجّه فيدان انتقاداً لاذعاً للسياسة الكردية في شمال سوريا، قائلاً إن بعض الأطراف تسعى إلى “تحويل أكراد سوريا إلى أداة بيد إسرائيل”.
رد الحزب الكردي: انتقاد لخطاب السلطة
زعيم حزب حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، تونجر بكرهان، رد على فيدان بلهجة حادة، مؤكداً أن استمرار ما وصفه بـ”الأيديولوجيا القومية الأحادية ذات الطابع الإثني-الديني” بعد سقوط نظام الأسد يعني “استمرار ذهنية النظام الأسدي القديم بغطاء جديد”. وأضاف بكرهان أن “إغلاق العيون عن الحقوق الكردية لا يلغي وجودها”، داعياً إلى لغة سياسية “تخدم الحل بدلاً من تعميق الأزمة”.
تقدير الموقف: مسار صعب رغم القنوات المفتوحة
يرى مراقبون أن هذه السجالات العلنية بين الحكومة وقيادة الحزب الكردي، في وقت يفترض أن يشهد حواراً برلمانياً بناءً، قد تعكس هشاشة التفاهمات الأولية. فبينما يؤكد قادة البرلمان على التوافق، تأتي خطابات وزراء في الحكومة بلغة أمنية صلبة، ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة المسار الحالي على إنتاج حلول دائمة.
ملف البلديات: الحركة القومية تنتقد القضاء
التوتر لم يقتصر على العلاقة بين الحكومة وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب فقط، بل امتد إلى مكونات التحالف الحاكم نفسه. فقد وجه حزب الحركة القومية، من خلال تصريحات رئيسه دولت بهجلي ومستشاره يلدر آي تشيتشك، انتقادات مباشرة لإجراءات التحقيق في قضايا فساد مزعومة ضد بلديات كبرى مثل بلدية إسطنبول.
تشيتشك أشار إلى أن القرارات القضائية “تختلف باختلاف المؤسسة أو الموقف السياسي”، معتبراً أن تسييس الملفات القانونية يحرفها عن مسار العدالة ويجعلها أداة لتصفية الحسابات بين القوى السياسية.
التطورات السياقية الأخيرة
تأتي هذه التطورات في ظل أجواء سياسية حساسة بعد الانتخابات المحلية الأخيرة، حيث شهدت البلاد جدلاً واسعاً حول ملفات الفساد، وقضايا تتعلق بتعيينات مشبوهة في بعض البلديات. كما يرافق المسار البرلماني حملة حكومية موازية لتعزيز السيطرة الأمنية في الجنوب الشرقي ومناطق الحدود مع سوريا، ما يضيف طبقة من التعقيد على أي حوار سياسي متعلق بالقضية الكردية.

