أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECtHR) حكمين جديدين يدينان تركيا على خلفية الاعتقال والحبس الاحتياطي لـ450 شخصًا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في عام 2016، بسبب مزاعم ارتباطهم بحركة الخدمة التي تستوحي فكر فتح الله كولن الراحل.
وأعلنت المحكمة في ستراسبورغ، يوم الثلاثاء، حكمين منفصلين في قضيتين مختلفتين تضمنت القضية الأولى طلبات 213 شخصًا والقضية الثانية 237 شخصًا، إذ تناولت القضيتان نفس الموضوع المتعلق باعتقال المتقدمين واحتجازهم احتياطيًا بعد محاولة الانقلاب التي وقعت في 15 يوليو 2016.
اتهامات بالانتماء لتنظيم إرهابي
تعود القضية إلى اتهام السلطات التركية للمعتقلين بالانتماء إلى منظمة إرهابية مزعومة، في إشارة إلى حركة الخدمة التي تتهمها الحكومة التركية بتدبير محاولة الانقلاب وتعتبرها تنظيمًا إرهابيًا، بينما تنفي الحركة تلك الاتهامات.
استندت السلطات التركية في توجيه الاتهامات إلى أدلة تشمل حيازة منشورات مرتبطة بالحركة، وتقديم دعم مالي لها أو لمؤسسات تابعة لها، والعمل في مؤسسات تعتبرها الحكومة مرتبطة بها، بالإضافة إلى شهادات شهود وتصريحات على مواقع التواصل الاجتماعي. كما استُخدمت أدلة مثل المشاركة في اجتماعات دينية أو التواصل مع قادة الحركة المزعومين لتبرير الاتهامات.
انتهاك حقوق الإنسان
قضت المحكمة الأوروبية بأن تركيا انتهكت المادة الخامسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تنص على ضرورة وجود أسباب كافية لاعتقال واحتجاز الأفراد. وقررت المحكمة أن الحبس الاحتياطي لـ450 متقدمًا في القضيتين لم يكن مبررًا بشكل كافٍ.
وألزمت المحكمة تركيا بدفع تعويضات قدرها 3,000 يورو لكل فرد من المتقدمين، بالإضافة إلى تغطية التكاليف والنفقات القانونية.
ضحايا بارزون بين المتقدمين
شملت الطلبات شخصيات بارزة، من بينهم، شهاب الدين هارپوت، الوالي السابق لمحافظة بورصة، وعمر ألطيبارماق، رئيس سابق لجهاز الاستخبارات في الشرطة، ومحمد باكديميرلي، رئيس جامعة مانيسا السابق، وحاجي بويداك، رئيس سابق لمجموعة شركات “بويداك” الشهيرة، وإلهان إيشبيلين، نائب سابق عن حزب العدالة والتنمية، والصحفي المعروف أحمد ميمش، والمعلم أيوب بيرينجي، الذي تعرض للتعذيب خلال احتجازه.
قضية التعذيب
من أبرز المتقدمين في القضايا كان أيوب بيرينجي، الذي تعرض لتعذيب مروع أثناء احتجازه في مركز شرطة أنطاليا. وتشير التقارير إلى أنه تعرض لاعتداء جنسي وضرب مبرح، مما أدى إلى إصابته بنزيف داخلي وتمزق في القولون، استدعى نقله إلى المستشفى. وفي حكم تاريخي صدر عام 2021، قضت المحكمة الدستورية التركية بأن بيرينجي تعرض للتعذيب وقررت تعويضه بمبلغ 40,000 ليرة تركية.
استمرار حملة القمع رغم الأحكام الدولية
يأتي هذان الحكمان ضمن سلسلة من القرارات التي أصدرتها المحكمة الأوروبية ضد تركيا فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان بعد الانقلاب المزعوم. ومنذ محاولة الانقلاب، أصدرت المحكمة 64 حكمًا يدين تركيا لانتهاكها حقوق 3,182 شخصًا، وأمرت بدفع أكثر من 12.5 مليون يورو كتعويضات.
رغم هذه الأحكام، تواصل الحكومة التركية قمعها الممنهج ضد من تزعم أنهم تابعون لحركة الخدمة؛ ففي حملة هي الأكبر منذ وفاة فتح الله كولن في أكتوبر 2023، اعتقلت السلطات 459 شخصًا في 66 ولاية تركية بتهم الإرهاب والارتباط بالحركة. وأكد وزير الداخلية علي يرليكايا على استمرار الحملة دون تراجع، مرددًا تصريحات مشابهة أدلى بها الرئيس رجب طيب أردوغان بعد وفاة كولن.