قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الجمعة إن تحسين الوضع الأمني في سوريا سيسهم في “عودة طوعية” للاجئين، وذلك بالتزامن مع شنّ الفصائل المعارضة وبعض الجماعات المدعومة من تركيا هجومًا كبيرًا أوصلهم إلى مركز مدينة حلب، محققين بذلك أكبر تقدم ميداني لهم منذ سنوات.
وفي كلمة ألقاها خلال فعالية في إسطنبول يوم الجمعة، أكد أردوغان أن حكومته تعمل على “تشجيع العودة الطوعية”، مضيفًا: “مع تعزيز بيئة الأمن في سوريا، ستزداد وتيرة العودة.”
تستضيف تركيا أكثر من ثلاثة ملايين سوري، وقد وُجّهت إليها اتهامات بإجبار الآلاف منهم على توقيع وثائق تُعلن “عودتهم الطوعية”.
ويرى منتقدون أن الأوضاع في سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، مشككين في إمكانية تحقيق العودة الطوعية في ظل استمرار العنف وعدم الاستقرار.
الهجوم الحالي، الذي تقوده “هيئة تحرير الشام” المرتبطة سابقًا بتنظيم القاعدة، والمدعومة من بعض فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، أدى إلى سيطرة المعارضة على عشرات المدن والقرى في شمال سوريا، إضافة إلى استيلائهم على معدات عسكرية، وفتح جبهة جديدة في النزاع. وتُظهر لقطات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي أن بعض المقاتلين المعارضين اقتربوا من قلعة حلب التاريخية، وهاجموا منشآت عسكرية تديرها قوات النظام في المدينة.
وردّت قوات النظام السوري بشنّ ضربات جوية مكثفة وقصف مدفعي وعمليات برية، ما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وتسبب في نزوح الآلاف، وفقًا لمنظمات إنسانية.
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي تواصل فيه تركيا مساعيها لتحقيق توازن بين دعمها لبعض الفصائل المعارضة ومحاولاتها تطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد. ويرى محللون أن أنقرة قد تعتبر هذا الهجوم وسيلة للضغط على نظام الأسد والحد من تدفق لاجئين جدد إلى تركيا التي تستضيف بالفعل أكبر عدد من السوريين النازحين في العالم.
وأشار مراقبون أيضًا إلى أن تورط قوات مدعومة من تركيا في عمليات تقودها هيئة تحرير الشام قد يزيد من تعقيد الاتفاقات الهشة بين تركيا وروسيا، الداعم الرئيسي لنظام الأسد. وفي الوقت نفسه، فإن تكثيف الضربات الجوية الإسرائيلية على القوات الإيرانية في سوريا، وانشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا، قد خلق ديناميكيات جديدة في المنطقة تسعى الفصائل المعارضة لاستغلالها.
وفي هذا السياق، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كيجيلي، في منشور على منصة “إكس” بأن تركيا ملتزمة بالحفاظ على الهدوء في إدلب والمناطق المجاورة على الحدود مع سوريا.
وأشار كيجيلي إلى أن تركيا منذ عام 2017 التزمت بعدة اتفاقيات بخصوص منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنه أعرب عن قلقه من الهجمات الأخيرة التي شنّتها قوات النظام المدعومة من روسيا على المنطقة، محذرًا من أن هذه الهجمات التي أودت بحياة عدد كبير من المدنيين تُقوض الاتفاقات الرامية إلى تقليل التوتر في شمال سوريا. كما شدّد على أن التصعيد في حلب يهدد بمزيد من عدم الاستقرار، وهو سيناريو تسعى تركيا إلى منعه.
من جهتها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء تصاعد القتال، مسلطةً الضوء على المعاناة الإنسانية في منطقة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، حيث لا يزال الملايين نازحين ويعتمدون على شبكات دعم هشة.
وفي تركيا، تزايدت مشاعر العداء تجاه اللاجئين في السنوات الأخيرة، مدفوعة بالأوضاع الاقتصادية الصعبة، والخطابات السياسية القومية، والتوترات الاجتماعية.
ويواجه السوريون، الذين يشكلون غالبية اللاجئين في تركيا، عداءً متزايدًا، حيث تُلقى عليهم مسؤولية تفاقم الضغط على الخدمات العامة والتنافس على الوظائف في ظل اقتصاد متعثر.
وقد استغل سياسيون من مختلف الأحزاب هذا السخط الشعبي لتأييد خطابات مناهضة للاجئين وكسب الدعم، مما أدى إلى تعميق الانقسامات في الرأي العام. وتحوّل هذا العداء في بعض الأحيان إلى أعمال عنف موثقة، استهدفت أفرادًا سوريين وأعمالهم ومنازلهم. وفي بعض الحالات، وقعت أعمال شغب في مدن مثل أنقرة وإسطنبول، مما أجبر السوريين على مغادرة الأحياء التي استقروا فيها.
وانتقدت جماعات حقوقية غياب المحاسبة والحماية، محذرةً من أن تنامي كراهية الأجانب قد يؤدي إلى تفاقم معاناة اللاجئين والفئات الضعيفة في المجتمع التركي.