انتقد حسين جيليك، أحد الأعضاء المؤسسين لحزب العدالة والتنمية ووزير التعليم الأسبق (2003-2009)، الجهاز القضائي في تركيا، معتبرًا أنه تحول إلى “قضاء ميليشياوي” عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016.
جاءت تصريحاته خلال مقابلة مع قناة “KHK TV”، وهي منصة إعلامية متخصصة في عرض معاناة ضحايا قرارات حالة الطوارئ التي أعلتها الحكومة التركية عقب الانقلاب المزعوم.
القضاء كأداة قمع سياسي
أوضح جيليك أن النظام القضائي بعد الانقلاب لم يعد مستقلاً، بل أصبح وسيلة لتصفية المعارضين، مشبهًا إياه بمحاكم الاستقلال التي أنشأها مؤسسو الجمهورية التركية في مطلع القرن العشرين لإقصاء خصومهم من خلال الإعدامات والتهجير القسري. وقال: “لقد أنشأنا نظامًا قضائيًا ميليشياويًا. لم يعد لدينا قضاء حقيقي بعد 15 يوليو 2016؛ إنه يعمل مثل المقصلة، تمامًا كما فعلت محاكم الاستقلال في الماضي”.
وأشار جيليك الذي لا يزال عضوا في الخزب الحاكم إلى أن السلطات التركية استغلت هذه الأوضاع لتوجيه تهم الإرهاب والانقلاب إلى مئات الآلاف، حيث تم التحقيق مع 705,172 شخصًا في قضايا مرتبطة بحركة الخدمة، ويوجد حاليًا 13,251 شخصًا في السجون، إما في الحبس الاحتياطي أو بعد إدانتهم.
كما اضطر الآلاف من أتباع الحركة إلى الفرار خارج البلاد هربًا من القمع، حيث لجأ بعضهم إلى عبور الحدود بطرق غير شرعية، بما في ذلك رحلات محفوفة بالمخاطر عبر القوارب إلى اليونان بعد أن صادرت الحكومة جوازات سفرهم.
التطهير الجماعي والانتهاكات الحقوقية
من أبرز القضايا المثيرة للجدل في حملة ما بعد الانقلاب كان الاستخدام الواسع لقرارات الطوارئ التي أسفرت عن فصل أكثر من 130,000 موظف حكومي، بينهم أكاديميون ومعلمون وقضاة وضباط عسكريون، دون أي محاكمة أو رقابة برلمانية.
وأعرب جيليك عن رفضه لهذه السياسات، محذرًا من العواقب المدمرة التي لحقت بالعائلات بأكملها بسبب قرارات الفصل الجماعي. وقال: “نتحدث عن استقلال القضاء على الورق، لكننا نخدع أنفسنا. القضاء لم يعد مؤسسة عادلة، واستقلاله أصبح مجرد أسطورة. قمنا بفصل الناس تعسفيًا، وحتى أولئك الذين تمت تبرئتهم لاحقًا لم يُعادوا إلى وظائفهم. بل إن عائلاتهم، بما في ذلك أطفالهم، عوقبوا بجريرة هذه الاتهامات. هذا أمر غير إنساني وغير مقبول”.
قضية الحقوق الكردية: حل ديمقراطي أم فدرالية؟
تطرّق جيليك أيضًا إلى القضية الكردية، معتبرًا أن الحل الوحيد يكمن في تعزيز الديمقراطية، رافضًا أي مشاريع تهدف إلى منح الأكراد حكمًا ذاتيًا على غرار إقليم كردستان العراق، مضيفًا بقوله: “لا داعي لحلول مصطنعة. إذا أصبحت تركيا دولة ديمقراطية بحق، يحكمها القانون، ويتمتع جميع مواطنيها بحقوق متساوية، فستُحل المشكلة الكردية من تلقاء نفسها. المفتاح هو تحقيق ديمقراطية حقيقية واحترام حقوق الإنسان”.
وانتقد جليك التناقضات في سياسات الحكومة تجاه الأكراد، مشيرًا إلى أن مواقف السياسيين تتغير باستمرار وفقًا لمصالحهم السياسية، مما أدى إلى فقدان الثقة فيهم، وعلق على ذلك بقوله: “لقد غيروا مواقفهم مرات عديدة لدرجة أنني لم أعد أثق في تصريحاتهم”.
ملف السجناء السياسيين وعبد الله أوجلان
خصص جيليك جزءًا كبيرًا من حديثه لملف المعتقلين السياسيين، وخاصة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، مؤكدا أنه إذا كانت هناك مناقشات جدية حول الإفراج عن أوجلان، فمن غير المقبول بقاء أي سجين سياسي آخر في المعتقلات. وتابع: “إذا كان سيتم الإفراج عن عبد الله أوجلان، المتهم بالمسؤولية عن مقتل عشرات الآلاف، أو منحه امتيازات معينة، فلا ينبغي أن يبقى أي سجين سياسي آخر في السجون التركية”.
وهاجم جليك استمرار اعتقال سجناء مسنين ومرضى، مثل “ملك إيبك” (80 عامًا) التي تواجه اتهامات بالصلة بحركة الخدمة، رغم أنها تعاني من أمراض مزمنة، متسائلًا عن مبرر إبقائها قيد الاعتقال وسط مناقشات سياسية حول العفو عن أوجلان.
تحولات حزب العدالة والتنمية ومستقبله
بصفته أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، تحدث جيليك عن التحولات الجذرية التي طرأت على الحزب منذ تأسيسه، مؤكدًا أنه لم يعد يمثل المبادئ التي قام عليها. وقال: “عندما تأسس حزب العدالة والتنمية، كان من المفترض أن يكون حزب الشعب، لكنه الآن أصبح الدولة، والدولة أصبحت الحزب. عندما يندمج الحزب مع الدولة، فإنه يفقد القدرة على الحكم العادل ويبدأ العد التنازلي لسقوطه”.
كما شدد جليك على ضرورة أن يراجع قادة الحزب سياساتهم، ويأخذوا في الاعتبار المظالم التي يشعر بها المواطنون، قائلًا: “لا يمكن للدولة أن تستمر بالقمع وحده. إذا كان الملايين، سواء كانوا أكرادًا، أو موظفين مفصولين، أو مواطنين يعانون اقتصاديًا، يشعرون بالتهميش، فإن الاستقرار والسلام سيصبحان مستحيلين”.