يشهد المشهد السياسي التركي تطورات دراماتيكية متلاحقة، تعكس – بحسب الأكاديمي التركي المعروف صواش جنتش – محاولات واضحة من “القصر” لتطويع الحياة السياسية من خلال أدوات القضاء، والإعلام الموجه، وفرض واقع جديد على المعارضة، خصوصًا حزب الشعب الجمهوري (CHP)، مع تصاعد غير مسبوق في الهجمات السياسية والاقتصادية لتصفية خصوم الرئيس رجب طيب أردوغان.
حزب الشعب الجمهوري تحت التهديد… هل يلوح شبح الوصاية القضائية؟
وفق مصادر مطلعة، سربت المحكمة مؤخرًا وثيقة لوسائل الإعلام تمهيدًا – على ما يبدو – لاختبار ردود الفعل بشأن احتمال إعادة حزب الشعب الجمهوري إلى كمال كليتشدار أوغلو عبر مسار قانوني مثير للجدل. الوثيقة لا تشير صراحة إلى “تعيين وصي” على الحزب، بل إلى بطلان المؤتمر الذي أفضى إلى انتخاب أوزجور أوزيل، وبالتالي “عدم شرعية” قيادته الحالية.
اللافت، أن قرار المحكمة تأجل إلى يونيو، في حين يُنظر إلى تسريب الوثيقة كمحاولة لجس نبض الرأي العام وردود فعل الشارع والمعارضة.
كليتشدار أوغلو في المشهد مجددًا؟ صمت مريب ومواقف متناقضة
سُئل محامي كليتشدار أوغلو، جلال تشيليك، حول نية موكله العودة إلى قيادة الحزب، لكنه رفض التعليق، ما زاد من الغموض. اللافت أن كليتشدار أوغلو لم يصدر أي نفي صريح لاحتمال تنصيبه عبر القضاء، وهو ما يراه جنتش أمرًا “مخجلًا في دولة ديمقراطية”.
ويضيف أن هناك تصريحات من شخصيات مقربة من كليتشدار أوغلو تؤكد أنهم، لو كانوا في موقع القرار، لعزلوا إمام أوغلو من منصبه حتى يتم تبرئته، في إشارة ضمنية لتقديم الولاء “للقصر” مقابل استعادة الحزب.
تفتيت المعارضة عبر القضاء… هل يسير السيناريو نحو انقسام شامل؟
في حال إعادة كليتشدار أوغلو إلى رئاسة الحزب، فإن إدارة الحزب الحالية قد تجد نفسها مضطرة لتأسيس حزب بديل، نظراً لغياب العدالة واستحالة استمرار العمل السياسي داخل حزب “مختطف” قضائيًا، ما يعني – حسب جنتش – انقسام جناح اليسار الاجتماعي في تركيا، مع خسارة محتملة تصل إلى 5% من أصوات المعارضة، وهي نسبة كفيلة بتغيير التوازن السياسي لصالح السلطة.
سيف القضاء على رقبة إمام أوغلو… والعزلة كوسيلة لإخماد حضوره
يؤكد جنتش أن السلطة لم تكتفِ باعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بل تمارس ضده عزلة صارمة، تمنعه من اللقاء حتى برئيس فرع الحزب في إسطنبول، رغم أن القانون لا يمنع ذلك.
الهدف، بحسب جنتش، هو تحويله إلى “جثة سياسية”، رغم استمرار تأثيره الشعبي القوي، وهو ما يزعج السلطة التي تدرك أن حبسه لم يقضِ على جاذبيته كأقوى منافس رئاسي.
الهجوم على أوزجور أوزيل… صوت جديد يُربك الحسابات
من جهة أخرى، يُظهر رئيس الحزب الجديد أوزجور أوزيل أداءً لافتًا، جعل منه منافسًا محتملاً على رئاسة الجمهورية. تتابع الأوساط المقربة من القصر هذا الصعود بقلق، لدرجة أن بعض إعلاميي النظام يطالبون صراحة بتكثيف الهجوم القضائي والإعلامي عليه.
بحسب جنتش، هذا يعني أن بعض أركان النظام أصبحوا يطالبون حلفاءهم داخل الدولة بالتحرك العلني لتصفية أوزيل سياسيًا.
محمد شيمشك… ضحية أخرى في مشهد الانهيار الاقتصادي
في مشهد متصل، شنّت صحيفة يني شفق هجومًا عنيفًا على وزير المالية محمد شيمشك، محملة إياه مسؤولية التضخم والركود والبطالة والانهيار الاقتصادي. وقالت الصحيفة إن “التحول إلى السياسات العقلانية” أدى إلى “انهيار عقلاني”.
يرى جنتش أن هذا الهجوم ليس بريئًا، بل محاولة لتقديم شيمشك كـ”كبش فداء”، مع أن السياسات التي تُطبق ليست قراراته وحده، بل نتيجة نظام رئاسي سلطوي يُملي على الجميع ما يفعلونه، بينما يبقى الرئيس بمنأى عن أي نقد.
القصر في ورطة… والرهان على شيطنة المعارضة
مع تزايد مؤشرات الفشل الاقتصادي والسياسي، يسعى النظام الحاكم إلى تأجيج الاستقطاب، وتحميل المعارضة مسؤولية كل أزمة، بينما يتقمص أردوغان دور “الحكيم المتعالي عن الصراع”. فقد صرح مؤخرًا: “نرفض لغة الشارع، ولا مكان لسياسة الفتنة في قاموسنا.”
يعلق جنتش: “تصريحات أردوغان مليئة بالمفارقات، فمن اتهم المعارضة بصلات مع قنديل (معقل حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق)، وروّج فيديوهات مفبركة ضدها، لا يمكنه الادعاء بنظافة الخطاب.”
تركيا على حافة أزمة سياسية كبرى
يرى البروفيسور صواش جنتش أن النظام يواجه مأزقًا عميقًا، ويحاول الهروب للأمام عبر تصفية خصومه في المعارضة، وتقديم أكباش فداء داخل الحكومة، وتحريك القضاء والإعلام كسلاح ضد الديمقراطية. لكنه يؤكد أن كل هذه المحاولات تكشف عن “عجز مخيف وفقدان للبوصلة السياسية”.

