تقرير: ياوز أجار
في تطور مفاجئ، وجّه نجم كرة القدم التركي الشهير هاكان شوكور ضربة غير متوقعة للنظام الحاكم في تركيا، بعد أن حصل على تعويضات قضائية ضد مئات الأشخاص الذين أساؤوا إليه على وسائل التواصل الاجتماعي.
وجاءت هذه الأحكام استنادًا إلى القانون الذي يجرّم الإهانة والتشهير، ما شكّل سابقة قانونية أزعجت النظام وأثارت ردود فعل واسعة.
هاكان شوكور، الذي يعتبر أعظم لاعب في تاريخ كرة القدم التركية وفقًا للإحصاءات، اضطر لمغادرة تركيا عام 2015 بعد اتهامه من قبل النظام بـ”الإرهاب” بسبب صلته بحركة فتح الله كولن. وكغيره من المعارضين، تعرض لمصادرة أملاكه من قبل السلطات، بينما شُنت حملة تشهير واسعة ضده، حيث تعرّض لإساءات وشتائم مستمرة من أنصار الحكومة وخصومه السياسيين على حد سواء، على الرغم من أنه أصبح نائبًا برلمانيا من صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم، بطلب خاص من الرئيس رجب طيب أردوغان، بغية الاستفادة من الشعبية التي يتمتع بها، إلا أنه استقال من الحزب احتجاجا على تدخلات أردوغان في جهاز القضاء والأمن لإغلاق ملفات الفساد والرشوة في عام 2013 التي طالت حتى أربعة وزراء وأبنائهم بل أفراد من عائلة أردوغان.
التحرك القانوني لهكان شوكور
لم يقف شوكور مكتوف الأيدي أمام هذه الإساءات، بل قام بتحرك قانوني لافت. توجه إلى أحد مكاتب التوثيق في ولاية تكساس الأمريكية، حيث منح محاميه في تركيا توكيلًا رسميًا لرفع دعاوى ضد مئات الأشخاص الذين أهانوه. ونتيجة لذلك، قدم محاموه أكثر من 1000 شكوى جنائية ضد مرتكبي الإساءات.
ما كان مفاجئًا هو أن العديد من المحاكم التركية، من بينها محاكم في باكيركوي، أصدرت قرارات لصالح شوكور، وألزمت المدعى عليهم بدفع تعويضات مالية. هذه الأحكام، التي التزمت بالقوانين المعمول بها، وضعت النظام الحاكم في موقف حرج، إذ بدت وكأنها اعتراف ضمني بأن شوكور ليس “إرهابيًا”، وأن شتمه يُعد جريمة يعاقب عليها القانون.
ردة فعل النظام ومحاولة الالتفاف على القانون
سرعان ما تحرك النظام التركي لإيقاف هذا التطور غير المتوقع. المحامي الموالي للحكومة، بوراق بكر أوغلو، قدم التماسًا إلى مجلس القضاة والمدعين العامين يطالب فيه بمعاقبة القضاة الذين حكموا لصالح شوكور، مدعيًا أنهم يساهمون في “تمويل الإرهاب” من خلال السماح له بالحصول على تعويضات مالية.
هذه الشكوى أثارت أزمة داخل وزارة العدل التركية، حيث بدأ المسؤولون البحث عن طريقة لمنع المعارضين المنفيين، مثل شوكور، من رفع دعاوى قضائية مستقبلًا. وبعد اجتماعات مكثفة، تقرر تعديل القانون بحيث يُشترط على أي شخص مطلوب للعدالة أو مصنّف كـ”هارب” أن يكون حاضرًا شخصيًا في تركيا لرفع دعوى قضائية أو متابعتها.
بعبارة أخرى، فإن شوكور وأمثاله، الذين لا يستطيعون العودة إلى تركيا خوفًا من الاعتقال، سيُحرمون من حقهم القانوني في الدفاع عن أنفسهم والمطالبة بحقوقهم.
انعكاسات القرار وقلق المجتمع القانوني
أثار هذا التعديل المحتمل غضب المحامين والنشطاء الحقوقيين، الذين اعتبروه محاولة أخرى لتقويض استقلال القضاء وتسييسه. كما طرح تساؤلات حول مدى قانونية تطبيق التعديل بأثر رجعي على الدعاوى السابقة.
من جهة أخرى، فإن مصير القضاة الذين أصدروا الأحكام لصالح شوكور لا يزال مجهولًا، إذ يخشى البعض أن يتعرضوا للعزل أو حتى الملاحقة القضائية، كما حدث مع العديد من القضاة والمدعين العامين الذين رفضوا الامتثال لإملاءات الحكومة بعد محاولة الانقلاب عام 2016، وذلك رغم أنهم عينوا في مناصبهم بعد “غربلة” بيروقراطية صارمة بعد حملة التصفية التي بدأت عقب تحقيقات الفساد والرشوة في 2013 ووصلت إلى أوجها عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، ولا تزال تلك الحملة مستمرة إلى اليوم.
شوكور يثير أزمة سياسية وقانونية في تركيا
ما بدأ كتحرك قانوني مشروع من قبل هاكان شوكور تحول إلى أزمة سياسية وقانونية كشفت التناقضات في النظام القضائي التركي. وبينما تسعى السلطات لإغلاق هذه الثغرة القانونية، تبقى القضية شاهدًا على كيف يمكن للقانون أن يتحول إلى ساحة صراع سياسي في ظل الأنظمة الاستبدادية.
أثار التعديل المقترح موجة انتقادات واسعة بين المحامين ونشطاء حقوق الإنسان، معتبرين إياه انتهاكًا صارخًا لحقوق التقاضي واستمرارًا للتمييز القانوني ضد معارضي الحكومة. وقال المحامي علي يلديز، مؤسس مبادرة “المحامون المعتقلون”، إن هذا التعديل يمثل دليلًا جديدًا على إنشاء نظام قضائي مزدوج في تركيا منذ محاولة الانقلاب، حيث يتمتع الموالون بامتيازات قانونية، بينما يُحرم المعارضون من حقوقهم الأساسية.
وأضاف يلديز أن هذا التعديل ينتهك الدستور التركي، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، إذ يحرم فئة معينة من حق التقاضي. كما وصف المحامي نور الله ألبيرق التعديل بأنه “مثال مثالي على إساءة استخدام القانون في تركيا”، مشيرًا إلى أن الوضع في البلاد قد تدهور لدرجة أن القضاة الذين يصدرون أحكامًا محايدة قد يواجهون عقوبات.
تراجع سيادة القانون في تركيا
يأتي هذا التعديل وسط تصاعد الانتقادات لنظام العدالة في تركيا، حيث صنفت مؤسسة مشروع العدالة العالمية (WJP) النظام القضائي التركي في المرتبة 117 من أصل 142 دولة في مؤشر سيادة القانون لعام 2024، مما يعكس تدهور استقلالية القضاء.
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة، أطلقت الحكومة التركية حملة قمع واسعة ضد المنتمين أو المشتبه في انتمائهم إلى حركة كولن، حيث خضع أكثر من 700 ألف شخص للتحقيق بتهم تتعلق بالإرهاب أو المشاركة في الانقلاب. ورغم الإفراج عن العديد منهم بعد قضاء محكومياتهم، إلا أن الآلاف فرّوا إلى الدول الغربية، التي لم تعترف بالحركة كمنظمة إرهابية وسمحت لها بمواصلة أنشطتها.
يؤكد المعارضون أن التعديل الجديد يهدف إلى تكريس التمييز ضد المعارضين في المنفى، ومنعهم من المطالبة بحقوقهم عبر القضاء، مما يعكس استمرار نهج الحكومة في إسكات الأصوات المعارضة داخل وخارج تركيا.
الأمم المتحدة تبرئ الجنرال أوزتورك وتتهم الحكومة
إلى جانب قرارات القضاء التركي لصالح هاكان شوكور، أصدرت مجموعة العمل المعنية بالاحتجاز التعسفي التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في خطوة مفاجئة أيضًا، قرارًا يدين تركيا بشأن احتجاز الجنرال السابق في القوات الجوية التركية أكين أوزتورك، الذي تعتبره الحكومة التركية “رقم أول” في محاولة الانقلاب المزعومة، وقائد ما سمته “الجناح العسكري” لحركة الخدمة. فقد اتهمت المجموعة الأممية السلطات التركية بانتهاك حقوق الجنرال من خلال توقيفه بشكل تعسفي ودون أساس قانوني يبرر احتجازه، وطالبت الحكومة التركية بـ:
- الإفراج الفوري عن الجنرال
- دفع تعويضات له
- فتح تحقيق في المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
ويرى مراقبون أن قرارات القضاء التركي في شكاوى هاكان شوكور والقرار الأممي حول الجنرال أكين أوزتورك تدفن الرواية الرسمية للحكومة التركية حول محاولة الانقلاب المزعومة في 2016 وتثير تساؤلات حول هوية الجهات الحقيقية التي دبرت هذه المحاولة وتسببت في فقدان تركيا كل المكتسبات التي حققها بين أعوام 2002 و2011.

