أثارت صحيفة “صباح” التركية المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، موجة واسعة من الانتقادات بعد نشرها خبرًا عن “توقيف” رئيس بلدية أضنة الكبرى، زيدان قارالار، قبل نحو نصف ساعة من صدور القرار القضائي رسميًا. وقد تزامن ذلك مع عمليات أمنية مثيرة للجدل استهدفت رؤساء بلديات منتخبين من المعارضة يوم 5 يوليو/تموز، كان من بينهم أيضًا رئيس بلدية أديامان، عبد الرحمن توتدَره.
في الوقت الذي كانت فيه أنظار الرأي العام متجهة نحو المحكمة بانتظار القرار الرسمي بحق قارالار وتوتدره، خرجت “صباح” بخبر عاجل عنوانه “توقيف زيدان قارالار، وتوتدره تحت الرقابة القضائية”. هذا النشر المبكر فجّر عاصفة من الغضب في الأوساط السياسية والشعبية، خصوصًا أن القرار لم يكن قد صدر بعد عن المحكمة.
تبرير “صباح”: خطأ تحريري أم تسريب ممنهج؟
ما إن تصاعدت ردود الأفعال حتى سارعت الصحيفة إلى حذف الخبر وتقديم توضيح مفاده أن ما حدث هو مجرد “خطأ تحريري”. غير أن حجم الحدث وخطورته دفع العديد من المراقبين للتشكيك في هذا التبرير، معتبرين أن الحادثة تكشف عن شبكة تنسيق محتملة بين وسائل الإعلام الموالية والسلطة القضائية.
وقد أعاد هذا الحادث إلى الأذهان وقائع مشابهة قامت فيها “صباح” بنشر معلومات دقيقة عن توقيف شخصيات معارضة أو قرارات قضائية قبل أن تصدر رسميًا، ما يدعم فرضية وصول الصحيفة إلى معلومات سرية داخل أروقة القضاء.
يُشار إلى أن صحيفة “صباح” تدار من قبل سرحات ألبيراق، شقيق بيرات ألبيراق، صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، وهو ما يعزز الاتهامات بشأن العلاقة العضوية بين بعض وسائل الإعلام والنظام الحاكم.
ردود الفعل: انتقادات لاذعة من المعارضة والمجتمع المدني
موجة الغضب لم تقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي، بل امتدت إلى تصريحات صريحة من قبل نواب المعارضة ومحامين ونشطاء، حيث اعتبروا ما جرى دليلاً فاضحًا على تآكل استقلالية القضاء في تركيا.
فيما يلي بعض التفاعلات اللافتة:
- “الساعة 19:30 نشرت صباح خبر توقيف زيدان قارالار. بعد قليل حذفته، لأن القرار لم يصدر بعد. من أعطاها هذه المعلومة؟”
- “صباح تحكم قبل القاضي! ما حدث ليس صحافة، بل توجيه للرأي العام بأوامر فوقية.”
- “زيدان قارالار تم توقيفه. النواب والمحامون يعترضون. ولكن، قبل ساعة من ذلك، كانت صباح قد نشرت الخبر فعليًا!”
- “من الذي أخبر صحيفة صباح؟ هل أصدر الصحفيون أوامر بالتوقيف بدلًا من القضاة؟”
أزمة أعمق: العلاقة بين الإعلام الموالي والقضاء في تركيا
الحادثة سلطت الضوء مجددًا على طبيعة العلاقة بين الإعلام الموالي للسلطة والمؤسسات القضائية، حيث بات واضحًا -بحسب محللين- أن هناك نوعًا من التنسيق المسبق والتوظيف السياسي للعمل القضائي، وهو أمر لا يُمكن تصنيفه على أنه مجرد “خطأ صحفي” في أي دولة ديمقراطية ذات نظام قضائي مستقل.
وفي حين يُفترض أن تكون إجراءات القضاء محاطة بالسرية والمهنية حتى لحظة إعلانها رسميًا، فإن نشر قرارات لم تصدر بعد، وتحديدًا في قضايا سياسية ذات حساسية عالية، يشير إلى خطر داهم يهدد مبدأ الفصل بين السلطات في تركيا.
تطورات السياق السياسي: استهداف ممنهج لرؤساء البلديات المعارضين
تأتي هذه التطورات ضمن سلسلة من التحركات الحكومية ضد رؤساء البلديات المحسوبين على المعارضة، خاصة من حزب الشعب الجمهوري. ففي 5 يوليو، شنت السلطات حملة طالت عدداً من رؤساء البلديات، من بينهم زيدان قارالار وعبد الرحمن توتدَره، في خطوة وصفتها المعارضة بأنها محاولة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية المحلية عبر القضاء.
وقد اعتبر مراقبون أن تسريب خبر التوقيف إلى صحيفة مقربة من الحكومة، قبل قرار المحكمة، يعكس توجهًا نحو تحويل القضاء إلى أداة لتصفية الخصوم السياسيين إعلاميًا قبل صدور الأحكام رسميًا.

