أعاد رئيس نادي بلدية إسطنبول الرياضي فاتح كَلَش فتح ملف العلاقة الملتبسة بين القضاء والإعلام في تركيا، بعدما كشف أنّه تلقى عروضاً مباشرة للإفراج عنه مقابل دفع المال والإدلاء باعترافات “جاهزة”، في تكرار لما سُمّي سابقاً بـ”قضية مجاهد بيرينجي”.
كَلَش، الذي اعتُقل في التاسع عشر من مارس إلى جانب رئيس بلدية إسطنبول ومرشح الرئاسة أكرم إمام أوغلو ضمن عملية أمنية واسعة، وجد نفسه لاحقاً في قلب حملة تشويه منظمة من الإعلام الموالي للسلطة، حيث وُصف بـ”زعيم عصابة” وتورّط اسمه في ادعاءات عن مخطط اغتيال لشخصيات مرتبطة بملف “التوبة القضائية”.
اتهامات بالتحريض على الاغتيال
اتهمت بعض وسائل الإعلام كَلَش بالتخطيط لاغتيال عزيز إحسان أكتاش، المتهم السابق الذي استفاد من نظام “التوبة القضائية” وخرج من السجن بعد أن قدّم اعترافات أدت إلى توقيف مئات الأشخاص. لكن كَلَش ردّ عبر بيان مطوّل على حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي، نافياً أي علاقة له بأكتاش أو حتى معرفة شخصية به، مؤكداً أنّ الأخير لم يقدّم أي إفادة ضده لا بالسلب ولا بالإيجاب.
“سلسلة التشويه الممنهجة”
في رده، وصف كَلَش هذه المزاعم بأنها الحلقة الأخيرة في مسلسل التشويه الممنهج الذي يستهدف بلدية إسطنبول ومعارضي السلطة. وأشار إلى أنّ الأخبار المنشورة، ولا سيما تقرير صحيفة “صباح” الموالية في السابع عشر من أغسطس بعنوان “خطة القتل المأجور لعصابة بلدية إسطنبول”, ليست سوى جزء من عملية تلفيق ممنهجة تهدف إلى صناعة سيناريوهات وهمية لإدانته.
“المال والاعتراف مقابل الحرية”
كشف كَلَش تفاصيل ما جرى معه قائلاً إنه تلقى عرضاً مباشراً من أحد المحامين، الذي زاره داخل السجن في يوليو، طالباً منه تأكيد بعض أقوال متهم آخر يدعى أدم صويتيكن، وتقديم اعترافات جديدة مقابل ضمان الإفراج عنه وعن أفراد عائلته، وإلا ستُشدّد التهم بحقه. وأضاف أن محامين آخرين كرروا العرض نفسه في أغسطس، حتى أنهم تحدثوا عن “سيناريوهات سرية” يجري إعدادها من قبل الاستخبارات. وأكد أنه رفض كل هذه العروض بشكل قاطع، مشدداً: “لم أفتعل جريمة في حياتي ولن أتهم أحداً زوراً، مهما كانت الضغوط”.
تواطؤ الإعلام مع التسريبات القضائية
اللافت في رواية كَلَش أن الاتهامات الوهمية التي سمعها داخل السجن من المحامين، ظهرت بعد أيام قليلة في الصحف الموالية كعناوين رئيسية، ما يعزز فرضية وجود تنسيق مسبق بين جهات قضائية وإعلامية لتسريب وتضخيم هذه المزاعم. وقال: “السيناريو يُكتب في الغرف المغلقة، ثم يُسوّق عبر الإعلام، فيما يقوم القضاء بمنح الغطاء الشرعي لهذه المسرحيات”.
ضغوط على العائلة ومصادرة الممتلكات
أوضح كَلَش أن الضغوط لم تقتصر على شخصه، بل شملت أسرته وممتلكاته. فقد صودرت أمواله وشركته العائلية، واعتُقل شقيقه ونجله وابن شقيقه، بينما نُشرت أخبار كاذبة عن “اعترافات” لم يدلوا بها. ويرى أن الهدف من هذه الخطوات هو كسر إرادته ودفعه إلى الانصياع لمعادلة “الاعتراف أو التشهير”.
الدعوى القضائية ضد الإعلام الموالي
بعد الحملة الإعلامية الأخيرة، قدّم محامو كَلَش بلاغاً قضائياً ضد الصحف والجهات التي نشرت هذه الادعاءات، موثقين بالأدلة تفاصيل العروض التي تلقاها موكّلهم داخل السجن. وأكد كَلَش أنه أبلغ محاميه كتابياً بكل ما جرى معه، بما في ذلك أسماء المحامين الذين عرضوا عليه “صفقة الإفراج”، طالباً التحقق من خلفياتهم.
“عدالة مستقلة” مطلب أساسي
اختتم كَلَش بيانه بمطالبة واضحة بإطلاق سراح نجله وابن شقيقه وشقيقه، وضمان محاكمة نزيهة ومستقلة بعيداً عن التسييس والتلفيق. كما دعا الرأي العام إلى الحذر من الحملات الممنهجة، مؤكداً أن ما يجري ليس سوى محاولة لإضعاف المعارضة عبر صناعة قضايا وهمية.
التطورات السياقية الأوسع
تتقاطع قضية كَلَش مع سلسلة أوسع من الملفات السياسية والقضائية التي تشهدها تركيا في السنوات الأخيرة، حيث تتكرر اتهامات المعارضة بوجود “بورصة للإفراج” تقوم على دفع الأموال أو تقديم اعترافات ملفقة مقابل الحرية.
الملف يعكس أيضاً تزاوج السلطة والإعلام في صناعة قضايا الرأي العام، حيث تُستخدم الصحف والقنوات الموالية كأدوات لتوجيه اتهامات مسبقة، قبل أن يقوم القضاء بإقرارها رسمياً.
القضية تأتي في توقيت حساس، مع اقتراب الانتخابات المحلية والرئاسية، وفي ظل تصاعد المواجهة بين السلطة وبلدية إسطنبول التي تُعتبر أكبر قاعدة للمعارضة.

