أثار تصريح زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي بشأن إمكانية ذهاب لجنة برلمانية إلى جزيرة إمرالي للقاء عبد الله أوجلان موجة واسعة من الجدل السياسي والإعلامي في تركيا، بعدما اعتبر مراقبون أن مواقفه الأخيرة تعيد طرح ملف المصالحة الوطنية على نحو غير متوقع.
بهجلي، الذي تحدث في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه، أعلن أن حزب الحركة القومية لا يرى مانعاً من مشاركة نوابه في لجنة تُكلف بزيارة إمرالي والحوار المباشر مع أوجلان في إطار ما يُعرف بـ”لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية”، مؤكداً أن حزبه “جاهز للمشاركة دون خوف أو تردد“.
موقف “يني شفق”: رفض مباشر برسالة سياسية واضحة
لكن الصحيفة المقربة من حزب العدالة والتنمية، “يني شفق”، سارعت إلى الرد على تصريحات بهجلي عبر مانشيت رئيسي بعنوان: “اللجنة لا يجب أن تذهب إلى إمرالي“، في خطوة فسّرها المراقبون بأنها “رسالة تصحيح” موجّهة من دوائر السلطة الإعلامية إلى شريك الحكومة القومي.
الصحيفة لم تكتفِ بالعنوان، بل نشرت نتائج استطلاع للرأي أظهر أن أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين يرفضون فكرة إرسال لجنة برلمانية إلى إمرالي للقاء زعيم حزب العمال الكردستاني، معتبرين أن مثل هذه الخطوة “قد تضر بمسار مكافحة الإرهاب” وتُضعف الثقة بجهود الدولة في حماية الأمن الداخلي.
نتائج الاستطلاع ومغزاها السياسي
التحقيق المنشور أشار إلى أن ما يقرب من ثمانية من كل عشرة مواطنين يعارضون إرسال أي وفد رسمي إلى أوجلان، موضحاً أن “الرأي العام يرى أن التواصل مع إمرالي سيؤدي إلى إضعاف عملية بناء الدولة الخالية من الإرهاب“.
وتضمن التقرير عبارة لافتة تفيد بأن “الحديث عن زيارات لإمرالي أثار قلقاً عاماً في الشارع”، في إشارة إلى أن المزاج الشعبي لا يتقبل عودة أي مسار تفاوضي أو رمزي مع زعيم حزب العمال الكردستاني، حتى وإن جاء تحت مظلة برلمانية أو وطنية.
خلفية التوتر بين الإعلام والحليف القومي
اللافت أن “يني شفق” دأبت خلال الأشهر الأخيرة على توجيه رسائل سياسية غير مباشرة إلى شركاء الحزب الحاكم، سواء في الملفات الاقتصادية أو القضائية، وكان آخرها تغطياتها التي ضغطت على وزير المالية محمد شيمشك بشأن سياسات التقشف، قبل أن تنتقل هذه المرة إلى ملف أكثر حساسية يرتبط بالأمن القومي والعلاقات بين العدالة والتنمية والحركة القومية.
ويرى محللون أن اختيار الصحيفة لهذا التوقيت والمضمون يعبّر عن موقف ضمني داخل أوساط السلطة الحاكمة الرافضة لأي عودة للمحادثات مع أوجلان أو إشراكه في أي مسار سياسي، حتى وإن جاء ذلك عبر لجنة برلمانية.
تصريحات بهجلي: رسالة داخلية أم مناورة سياسية؟
في المقابل، يقرأ البعض تصريحات بهجلي على أنها محاولة لإعادة طرح رؤية “المصالحة الداخلية” من منظور وطني، مع تأكيده أن الهدف ليس التفاوض مع أوجلان بل “استكمال مسار توحيد الجبهة الداخلية وتعزيز الاستقرار السياسي“.
إلا أن هذه الدعوة، رغم صياغتها الحذرة، فتحت الباب أمام سجال واسع حول مدى توافقها مع سياسة الدولة التي تعتبر أي تواصل مع إمرالي خطاً أحمر، خصوصاً في ظل تصاعد العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وجنوب شرق تركيا.
سياق سياسي متشابك
تأتي هذه التطورات في مرحلة حساسة تشهد فيها تركيا احتدام النقاش حول توازنات السلطة بين مكونات “تحالف الجمهور”، وسط ضغوط اقتصادية متزايدة وملفات سياسية شائكة، ما يجعل أي إشارة أو تصريح من قادة التحالف محط اهتمام ومتابعة فورية من الإعلام المقرب من الحكومة.
ويُنظر إلى ردّ “يني شفق” الأخير كجزء من عملية إعادة ضبط إيقاع الخطاب السياسي داخل التحالف، والتأكيد على أن ملف إمرالي لا يزال خارج أي إطار للحوار السياسي أو البرلماني.

