بقلم: آدم ياوز أرسلان
الزيارة التي طال انتظارها للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البيت الأبيض انتهت، لكن نتائجها بدت أبعد ما تكون عن “الانتصار التاريخي” الذي روّجت له وسائل الإعلام الموالية للحكومة في أنقرة. فما بين الأجواء الباردة في قاعة المكتب البيضاوي، وتراكم الملفات العالقة في الدفاع والطاقة والاقتصاد، خرجت أنقرة محمّلة بتعهدات مكلفة وصور دعائية لا أكثر.
تصريحات لاذعة من ترامب
اللقاء لم يخلُ من رسائل مباشرة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مازح نظيره التركي قائلاً إنه “يعرف عن الانتخابات المزورة أكثر من أي شخص آخر”، في إشارة تحمل شكوكا واضحة حول نزاهة الانتخابات التركية. كما ذكّر بأزمة اعتقال القس الأمريكي أندرو برانسون عام 2018 وما تبعها من عقوبات أمريكية وانهيار الليرة، مؤكداً أن الإفراج عنه كان بفضل الضغوط الأمريكية. الرسالة كانت واضحة: ما دام تآكل سيادة القانون مستمراً في أنقرة، فإن موقعها في واشنطن سيظل هشاً.
ملف الدفاع: إف-16 وعبء إس-400
قضية مقاتلات إف-16 تصدرت المباحثات، لكن الكونغرس ما زال يرفض الصفقة بسبب انعدام الثقة بالحكومة التركية. أما الخلاف الأعمق فيرتبط بصفقة صواريخ إس-400 الروسية، التي أدت إلى طرد أنقرة من برنامج المقاتلة الشبحية إف-35. واشنطن جددت موقفها الرافض لعودة تركيا إلى البرنامج ما لم تتراجع عن الصفقة الروسية، وهو ما يعكس تراجع وزن أنقرة داخل حلف الناتو نتيجة خياراتها المتعارضة مع وحدة الحلف.
صفقة بوينغ: عبء اقتصادي مقنّع
من أبرز الإعلانات توقيع تركيا صفقة لشراء عدد ضخم من طائرات بوينغ المدنية. الإعلام الموالي اعتبرها قفزة استراتيجية، لكن خبراء الطيران وصفوها بغير الواقعية اقتصادياً، خاصة وأن شركات الطيران التركية غارقة في ديون متراكمة. الصفقة، وإن أنعشت بوينغ بعد أزماتها الأخيرة، لم تقدم لأنقرة سوى مكسب رمزي يعكس ولاءً سياسياً أكثر من كونه استثماراً عملياً.
اتفاق غاز طويل الأمد
الملف الطاقوي لم يخلُ من التزامات جديدة. فقد وقّعت الحكومة التركية اتفاقاً مع شركة “ميركوريا إنرجي” لشراء الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة على مدى عشرين عاماً. الخطوة قُدمت كتنويع لمصادر الطاقة بعيداً عن روسيا، لكنها عملياً تضع تركيا بين التزامات مزدوجة لموسكو وواشنطن، ما يحدّ من هامش المناورة في أزمات الطاقة المستقبلية ويكبّد الاقتصاد التزامات مالية ضخمة.
غزة: غياب لافت عن المباحثات
في الداخل، يقدّم أردوغان نفسه كمدافع شرس عن القضية الفلسطينية، لكن في واشنطن غابت غزة عن الأجندة بالكامل. هذا الصمت كشف تناقضاً صارخاً بين الخطاب الشعبوي الموجه للجمهور المحلي وبين السلوك الدبلوماسي الحذر في مواجهة واشنطن، مما يعزز الانطباع بأن المواقف المعلنة لا تتجاوز الاستهلاك الداخلي.
وعود اقتصادية بلا مضمون
البيانات المشتركة التي تلت اللقاء لم تحمل سوى وعود معاد تدويرها وتعهّدات عامة. لم تُعلن استثمارات أمريكية جديدة، ولم تُرفع حواجز تجارية، ولم يحصل الاقتصاد التركي المتعثر على أي دعم ملموس.
صور بلا مكاسب حقيقية
ما عاد به أردوغان إلى أنقرة لم يتجاوز الصور الملتقطة في المكتب البيضاوي، وهي مادة ثمينة للإعلام الموجه حيث يُصنع الانطباع بقدر ما تُبنى السياسات. لكن خلف هذه الصور، تراكمت الأعباء: صفقة بوينغ المرهقة، واتفاق غاز طويل الأمد، وملفات دفاعية مغلقة، وصورة متجددة لانحسار الديمقراطية. النتيجة أن الزيارة لم تكسر عزلة أنقرة، بل عمّقتها، محوِّلة ما رُوِّج له كانتصار دبلوماسي إلى عرض باهظ الثمن كشف هشاشة موقع تركيا في الخارج.

