التحول الجوهري بدأ مع الاستفتاء الدستوري في عام 2017، الذي أدخل النظام الرئاسي وأنهى عمليًا مبدأ الفصل بين السلطات، حيث خضعت السلطة القضائية بشكل شبه كامل لهيمنة السلطة التنفيذية.
استفتاء 2017: تلاعب انتخابي وأساس هشّ لنظام مطعون بشرعيته
قال مراد في مقاله بموقع “توركيش مينوت” إن دراسات أكاديمية محكمة من باحثين أجانب كشفت عن دلائل إحصائية واضحة على وجود تزوير في استفتاء 2017، تشمل عمليات “حشو الصناديق” وتلاعب بأصوات الناخبين. وخلصت تلك الأبحاث إلى أن إزالة هذه المخالفات من البيانات كان من شأنه أن يقلب نتيجة الاستفتاء من “نعم” إلى “لا“. بالتالي، فإن الأساس الذي بُني عليه التحول إلى النظام الرئاسي نفسه مطعون في شرعيته الديمقراطية.
المجلس الأعلى للقضاة والمدعين: هيمنة سياسية على القضاء
تُعد تركيبة مجلس القضاة والمدعين (HSK) أبرز تجلٍّ لغياب استقلالية القضاء. فبحسب التعديلات الدستورية، يُعيّن رئيس الجمهورية ٤ أعضاء بشكل مباشر، ويُعيّن وزير العدل ونائبه – وكلاهما معينان من قبل الرئيس – عضوين آخرين، بينما يُنتخب ٧أعضاء من قبل البرلمان الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية.
هذا يعني، حسب مراد، أن الأغلبية الساحقة من أعضاء المجلس يتم اختيارهم إما مباشرة أو بصورة غير مباشرة من قبل السلطة التنفيذية، ما يجعل رقابة القضاء على السلطة ضربًا من الوهم.
مخالفة دستورية في انتخابات المجلس: تجاهل صريح للنصوص
في 21 مايو 2025، جرت انتخابات لاختيار خمسة أعضاء جدد في مجلس القضاء الأعلى، وفقًا للمادة 159 من الدستور. إلا أن العملية شهدت مخالفة فادحة للإجراءات الدستورية؛ فبدلًا من اللجوء إلى القرعة في الجولة الثالثة كما ينص الدستور، قرر نواب الحزب الحاكم إجراء تصويت بأغلبية بسيطة، متجاوزين الإطار الذي وضعوه هم أنفسهم.
وقد أعلن حزب الشعب الجمهوري عزمه التقدم بطعن أمام المحكمة الدستورية لإبطال العملية، رغم أن المحكمة ذاتها تخضع لتركيبة يغلب عليها التعيين الرئاسي، مما يثير شكوكًا حول حيادها.
قضية عثمان كافالا: تجاهل علني للأحكام الدولية
يرى مراد أن انتهاك المادة 90 من الدستور، التي تنص على أولوية الاتفاقيات الدولية في مجال الحقوق والحريات، يثبت تراجع تركيا عن مفهوم دولة القانون. حالة عثمان كافالا، رجل الأعمال والمثقف المعروف، تمثل أبرز مثال. فرغم صدور قرار من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يدعو إلى الإفراج الفوري عنه، لا يزال معتقلًا منذ 2017، في تحدٍّ سافر لالتزامات تركيا الدولية.
القضاء أداة بيد السلطة: حالة إمام أوغلو نموذجًا
يضيف مراد أن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أبرز خصوم أردوغان السياسيين، دليل إضافي على تسييس القضاء لخدمة الأهداف السلطوية. فقد تم توقيفه على خلفية اتهامات واهية، ما أثار موجة احتجاجات داخلية وتنديدًا دوليًا.
الغرب والتناقض القيمي: ازدواجية المعايير تجاه النظام التركي
في ختام تحليله، يتساءل عمر مراد عن موقف المؤسسات الغربية مثل مجلس أوروبا وحلف الناتو، التي لا تزال تعتبر النظام التركي نظامًا ديمقراطيًا يحترم سيادة القانون. ويؤكد أن هذا التواطؤ أو الصمت الغربي يعكس فشلًا أخلاقيًا ومعياريًا في تطبيق المعايير التي يدّعي الغرب الدفاع عنها.

