في مشهد يعكس التباينات داخل الائتلاف الحاكم في تركيا، شنّ دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية (MHP) والحليف الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان، هجوماً لاذعاً على ما وصفه بـ«الاحتفاء المبالغ به» باتفاق الهدنة في غزة.
وجاءت تصريحاته، خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه يوم الثلاثاء، لتنتقد النبرة المتفائلة التي رافقت مواقف أنقرة الرسمية، وخصوصاً تصريحات أردوغان التي وصف فيها الاتفاق بأنه «خطوة تاريخية نحو السلام».
تصريحات بهجلي: لا مجال للاحتفال وسط المأساة
قال بهجلي في خطابه إنه «لا جدوى من قرع الطبول ونفخ الأبواق من أجل بضع عمليات تبادل للأسرى»، مشدداً على أن «القضية الحقيقية هي جعل وقف إطلاق النار فعّالاً على الأرض».
وأشار إلى أن حصيلة القتلى في غزة بلغت أكثر من67 ألف شخص، مؤكداً أن «المأساة الإنسانية لا يمكن اختزالها في مكاسب جزئية أو رمزية».
وانتقد الزعيم القومي ما اعتبره «تعامل بعض الأطراف مع غزة كمشروع عقاري»، في إشارة إلى الخطط الغربية لإعادة إعمار القطاع وفق مقاربة اقتصادية بحتة، وهاجم خصوصاً فكرة تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» كما اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قائلاً إن مثل هذه المشاريع «تتنكّر لدماء الأبرياء وتغتال جوهر القضية الفلسطينية».
رؤية قومية صارمة: فلسطين وطن للمظلومين لا للاستثمار
بهجلي، البالغ من العمر 77 عاماً والمعروف بمواقفه القومية المتشددة، وصف غزة بأنها «وطن الأبرياء والمظلومين من أبناء الشعب الفلسطيني»، مؤكداً أن أي سلام حقيقي لن يتحقق إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، مع حصولها على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
وأضاف أن أي إنجاز سياسي أو تفاوضي «يبقى ناقصاً ومؤقتاً» ما لم يتحقق هذا الهدف، معتبراً أن «التهليل لوقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى ليس سوى وهمٍ مؤقت أمام واقع الاحتلال المستمر».
مفارقة في الخطاب الرسمي: أردوغان يحتفي بهجلي يحذّر
تأتي تصريحات بهجلي في تناقض واضح مع لهجة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي وصف اتفاق الهدنة بأنه «إنجاز تاريخي» يعكس الدور الفاعل لأنقرة في الجهود الدولية. وأكد أردوغان أن بلاده لعبت دوراً محورياً في فريق المراقبة الدولي الذي تشكل بوساطة كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا، بهدف ضمان تطبيق بنود الاتفاق على الأرض.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد وافقت على الاتفاق في10 أكتوبر، ما أدى إلى وقف القتال مؤقتاً، وفتح المجال أمام عمليات تبادل للأسرى والرهائن، إضافة إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معابر خاضعة لإشراف دولي.
السياق السياسي الداخلي: توازن دقيق داخل التحالف الحاكم
وفق مراقبين، لا تمثل تصريحات بهجلي، رغم حدتها، بالضرورة تصدعاً في التحالف القائم بين حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية الحاكم، لكنها تُبرز تبايناً في الخطاب السياسي والإعلامي بين الطرفين. ففي حين يسعى أردوغان إلى الظهور كوسيط دولي محوري في الملف الفلسطيني، يحرص بهجلي على تثبيت صورة حزبه كقوة قومية محافظة ترفض ما يراه «استغلالاً غربياً» للمأساة الفلسطينية.
ويأتي ذلك في وقت يشهد فيه الداخل التركي نقاشاً متصاعداً حول حدود دور أنقرة في الملف الفلسطيني، بين من يرى ضرورة التركيز على الوساطة الدبلوماسية، ومن يطالب بمواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل.
بين الدبلوماسية الواقعية والمزايدة القومية
يعبّر موقف بهجلي عن تيار قومي يرفض المقاربة البراغماتية التي يتبناها أردوغان في التعامل مع الأزمة الفلسطينية، ويرى أن «السلام العادل» لا يمكن أن يتحقق من خلال تفاهمات مؤقتة. أما الرئيس التركي، فيواصل تقديم بلاده كفاعل إقليمي رئيسي قادر على موازنة المصالح بين واشنطن والدوحة والقاهرة وتل أبيب.
بهذا، تكشف المواقف المتباينة بين الرجلين عن ازدواجية في الخطاب التركي تجاه القضية الفلسطينية، تجمع بين الرمزية الدينية والواقعية السياسية، في لحظة إقليمية دقيقة تتشابك فيها الاعتبارات الإنسانية مع الحسابات الجيوسياسية.

