تواصل السلطات التركية استهداف الأفراد المرتبطين بحركة الخدمة، على الرغم من مزاعم بعض الحكومات الغربية بأن حملة القمع ضد الحركة قد خفّت حدتها.
ووفقًا لتقرير جديد صادر عن “محكمة تركيا” ونشره “مركز ستوكهولم للحرية”، فإن بعض الدول الأوروبية، مثل هولندا والنرويج، تستند إلى افتراضات خاطئة عند تعديل سياساتها الخاصة بمنح اللجوء، ما يعرّض المرحّلين لمخاطر جسيمة تشمل الاعتقال التعسفي والإقصاء الاجتماعي المنهجي.
استمرار الملاحقات رغم مزاعم التراجع
التقرير، الذي أعده البروفيسور يوهان فاندي لانوت، يؤكد بالأدلة والبيانات أن آلاف الأشخاص لا يزالون يواجهون الاعتقالات والملاحقات القانونية في تركيا. ففي عام 2024 وحده، نفذت السلطات التركية 4,902 عملية ضد أفراد يُشتبه في ارتباطهم بالحركة، أسفرت عن اعتقال 6,727 شخصًا وسجن 935 آخر.
ويحذّر التقرير من أن إعادة طالبي اللجوء إلى تركيا يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية، حيث إن خطر الملاحقة القضائية لم ينخفض حتى لأولئك الذين لم يتم استهدافهم بعد.
كما التقرير يشير إلى أن القضاء التركي ما زال يعتمد على أدلة سبق أن قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بعدم شرعيتها، مثل استخدام تطبيق المراسلة “بايلوك”، وامتلاك حسابات في بنك آسيا المغلق، والانضمام إلى نقابات أو منظمات غير حكومية مسجلة رسميًا.
ممارسات القمع تطال حتى من أنهوا عقوباتهم
لا تقتصر الحملة الأمنية على الاعتقالات فحسب، بل تشمل أيضًا قيودًا على من أنهوا محكومياتهم، حيث يظلون تحت المراقبة المستمرة، ما يعوق إعادة اندماجهم في المجتمع. ووفقًا للتقرير، فإن السلطات التركية لا تزال تستخدم رموزًا أمنية (الرمزين 36 و37) تمنع الأفراد المصنفين كمشتبه بهم من الحصول على وظائف أو خدمات صحية أو حتى تسجيل أطفالهم في المدارس، ما يرسّخ الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي الممنهج.
استهداف كل أشكال التضامن مع المعتقلين وعائلاتهم
اتسعت دائرة القمع لتشمل حتى أولئك الذين يقدمون دعماً مالياً أو معنوياً لعائلات المعتقلين من أعضاء الحركة. ففي إحدى الحالات، وثّق التقرير اعتقال شخص في مدينة دنيزلي بعد أن راقبته الشرطة وهو يزور قبر أحد أعضاء الحركة الراحلين، واعتبرت السلطات زيارته “نشاطًا مشبوهًا”.
وفي حادثة أخرى، اعتقلت السلطات التركية في مايو 2024 مجموعة تضم 48 شخصًا، بينهم 14 فتاة مراهقة تتراوح أعمارهن بين 13 و17 عامًا، بتهمة “نشر دعاية إرهابية”. ووفقًا للتقرير، فقد جرى التحقيق مع القاصرات دون حضور محامين، واحتُجزن لمدة 15 ساعة، وكان الدليل الرئيسي ضدهن حضورهن دروس تقوية أكاديمية قدّمها أفراد يُزعم ارتباطهم بالحركة.
رفض تركي لأحكام المحكمة الأوروبية
على الرغم من أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أصدرت حكمًا في عام 2023 اعتبرت فيه استخدام تطبيق “بايلوك” وحسابات بنك آسيا والانضمام للنقابات أدلة غير قانونية، إلا أن النظام القضائي التركي تجاهل هذا الحكم. وأعلن وزير العدل التركي، يلماز تونتش، أن بلاده لن تلتزم بقرار المحكمة الأوروبية، وهو الموقف ذاته الذي تبنته المحكمة الدستورية التركية.
تحذيرات من انتهاكات جسيمة حال ترحيل طالبي اللجوء
بحسب التقرير، فإن بعض الدول الأوروبية تبني سياساتها بشأن اللاجئين الأتراك على افتراضات خاطئة بأن القضاء التركي قد خفف من حملاته القمعية، ما يعرض المرحّلين لمخاطر جسيمة تشمل الاعتقال والتعذيب والملاحقات غير العادلة.
ويرى التقرير أن إعادة المرحّلين إلى تركيا يعدّ انتهاكًا للمادتين 3 و6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، اللتين تحظران المعاملة اللاإنسانية وتضمنان الحق في محاكمة عادلة.
يؤكد التقرير أن حملة القمع ضد أعضاء حركة الخدمة التي استوحت فكر الراحل فتح الله كولن لم تتراجع، بل توسعت لتشمل كل من يُشتبه في تعاطفه مع المعتقلين أو دعمه لهم. وبالرغم من الادعاءات بتخفيف حدة الملاحقات، فإن البيانات تثبت استمرار الاعتقالات والمضايقات القضائية والاجتماعية بشكل منهجي. كما يحذّر من أن ترحيل طالبي اللجوء إلى تركيا يضعهم في مواجهة مخاطر جسيمة، في ظل تجاهل السلطات التركية للمعايير القانونية الدولية والأحكام القضائية الأوروبية.