اتهم المقررون الخاصون للأمم المتحدة الحكومة التركية بممارسة قمع ممنهج ضد الأفراد المرتبطين بحركة “الخدمة”، التي استلهمت أفكارها من الراحل فتح الله كولن.
وتشمل هذه الانتهاكات الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والترحيل القسري عبر الحدود، بحسب رسالة مشتركة تدعو تركيا إلى الالتزام بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان، وفقًا لما نقله مركز “ستوكهولم للحرية السويدي”.
رسالة مشتركة تدين الانتهاكات المزعومة
في خطاب مشترك مؤرخ في 7 أكتوبر 2024، توجه سبعة من المقررين الخاصين للأمم المتحدة بأسئلة إلى الحكومة التركية حول ما وصفوه بـ”القمع الممنهج ضد الأشخاص المرتبطين بحركة كولن”، من خلال استغلال تشريعات مكافحة الإرهاب. وأعربوا عن قلقهم بشأن التأثير السلبي لهذه الإجراءات على المجتمع المدني، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمعارضين السياسيين، والصحفيين.
لكن الحكومة التركية، في ردها عبر مذكرة دبلوماسية بتاريخ 30 أكتوبر، رفضت الإجابة عن هذه الاتهامات، مكررة الاتهامات السابقة التي دأبت على توجيهها للحركة، وطالبت مجلس حقوق الإنسان بعدم السماح لأعضاء الحركة بـ”استغلال الآليات الدولية لترويج مزاعمهم”، على حد تعبيرها.
خلفية القمع
بدأت حملة الحكومة التركية ضد حركة الخدمة عقب الكشف عن تحقيقات فساد عام 2013، حيث اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحركة بالتآمر ضده وضد عائلته من خلال هذه التحقيقات، حيث زعم أن ما سماه الجناح القضائي للكيان الموازي، في إشارة إلى الحركة، لفق أدلة لإدانة المتهمين من دائرته الضيقة، للإساءة إلى حكومته والإطاحة بها في النهاية، لكن المتهم الرئيس في هذه التحقيقات رجل الأعمال التركي الإيراني الأصل رضا زراب هرب في 2016 إلى الولايات المتحدة، واعترف بصحة جميع الادعاءات الواردة في ملفات الأمن والقضاء التركي عقب محاكمة تاريخية جرت في نيويورك بتهمة خرق العقوبات الأمريكية والأممية المفروضة على إيران من خلال تجارة الذهب وغيرها.
وبلغت حملة الحكومة التركية ضد الحركة ذروتها بعدما سمي “محاولة الانقلاب الفاشلة” في 15 يوليو 2016، والتي زعم أردوغان أن الحركة كانت وراءها، رغم نفي الحركة القاطع لهذه الاتهامات.
اعتراف مثير من مهندس دعاية أردوغان
في اعترافات صادمة اعتبرها مراقبون أنها تقوض الرواية الرسمية للحكومة التركية بشأن حركة الخدمة، قال الإعلامي المقرب من الحكومة راسم أوزان كوتاهيالي: “لقد أوجدنا في البداية مفهوم الكيان الموازي أو الدولة الموازية، ثم عملنا على نشر هذا المفهوم. أنا بالذات مِنْ بين صُنَّاع هذه العملية. ومن ثم صنعنا مفهومَ منظمة فتح الله كولن الإرهابية. وكان مفهومًا صحيحًا. بدأ البعض يستخدم هذا المفهوم في عام 2016 (بعد الانقلاب الفاشل). لكن مفهوم منظمة فتح الله كولن… تم صناعته في عام 2014، أواخر عام 2014، ثم بدأ في الانتشار”.
ولفت كوتاهيالي الذي يصف نفسه بأنه “مهندس الدعاية لأردوغان” إلى دور وسائل الإعلام في نشر هذا المفهوم وزراعته في عقول الناس وأذهانهم تمهيدا لإعلان حركة الخدمة إرهابية قائلا: “لعبت صحيفة “صباح” (المملوكة لعائلة أردوغان) دورا كبيرا في تلك الفترة، إذ كررت كل يوم مفهوم منظمة فتح الله كولن..، حتى زرعته في العقول. وفي النهاية استقر هذا المفهوم في الأذهان”.
تطرق كوتاهيالي بعد ذلك إلى دور شركائهم من الكماليين الأتاتوركيين العلمانيين في نشر هذا المفهوم، حيث قال: ”كل كمالي (محب لأتاتورك) يستخدم مفهوم منظمة فتح الله كولن… يخدم في الواقع أردوغانَ وإيَّايَ، ويخدم الحكومة الحالية وحزب العدالة والتنمية”، على حد تعبيره.
اعتبر كتاب مقربون من حركة الخدمة أن تصريحات كوتاهيالي تقدم معطيات تكشف عن كيفية قيام الحكومة التركية، بالتعاون مع وسائل الإعلام الموالية، بتشويه سمعة الحركة بشكل تدريجي منهجي لتبرير حملات التطهير والاعتقالات الواسعة النطاق التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.
انتهاكات حقوق الإنسان: الأدلة والاتهامات
في رسالتهم، وثق المقررون الخاصون انتهاكات صارخة، من بينها الاعتقالات التعسفية والتعذيب، حيث أشار التقرير إلى أن ما يزيد عن 8,800 شخص تعرض للاعتقال بين يونيو 2023 ويونيو 2024، ووجهت اتهامات بالإرهاب لـ1,500 منهم.
وأفاد التقرير أن انتهاكات الحكومة التركية طالت حتى الأطفال، ففي مايو 2024، اعتقلت السلطات 16 طفلاً في إسطنبول، تعرضوا لضغوط نفسية وتعذيب جسدي، والمنع من الحصول على مشورة قانونية، وهو انتهاك واضح لاتفاقية حقوق الطفل.
كما انتقد التقرير الأممي قوائم “الإرهاب” العامة، متهمًا السلطات التركية باستخدام قوائم “الإرهابيين” التي تشمل صورًا وتفاصيل شخصية لأفراد، مع تقديم مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقالهم، الممارسات التي وصفها المقررون الأمميون بأنها تشجع على “اقتصاد القتل” وتهدد حياة الأفراد وتقوض حرياتهم.
كذلك اتهم التقرير الأممي السلطات التركية باختطاف وترحيل المشتبه في ارتباطهم بحركة الخدمة من دول أخرى بموجب اتفاقيات أمنية غامضة. وأكد أن الضحايا غالبًا ما يُحتجزون سرًا، ويتعرضون للتعذيب، ويتم إجبارهم على الإدلاء باعترافات تستخدم ضدهم في المحاكم.
إساءة استخدام أدوات المراقبة
أحد أبرز الانتقادات التي وجهها المقررون الخاصون للأمم المتحدة كان يتعلق بتوجه السلطات التركية إلى اعتقال الآلاف بتهمة تحميل تطبيق ByLock على هواتهم الشخصية، زاعمة أنها القناة السرية لتواصل أعضاء الحركة، رغم أنه كان متاحًا للجمهور على الإنترنت. وأكد التقرير أن الأدلة التي استندت إلى هذا التطبيق تفتقر إلى المصداقية وتنتهك الحقوق الأساسية للخصوصية.
دعوات للامتثال للقوانين الدولية
دعا المقررون الخاصون للأمم المتحدة تركيا إلى وقف الانتهاكات المستمرة وضمان احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وشددوا على خطورة التفسيرات الواسعة لتشريعات مكافحة الإرهاب، حيث تستخدم لاستهداف النشاط السياسي المشروع، والمعارضة، والدفاع عن حقوق الإنسان.
أسماء الموقعين على الرسالة
شارك في صياغة الرسالة شخصيات بارزة في مجال حقوق الإنسان، من بينهم ماري لولور، المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، وأليس جيل إدواردز، المقررة الخاصة المعنية بالتعذيب، وفيونيولا ني أولين، المقررة الخاصة المعنية بحماية حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب، وجابرييلا ستروني، رئيسة الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري، وإيرين خان، المقررة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير.
تسلط هذه الرسالة المشتركة الضوء على القلق الدولي المتزايد إزاء تدهور أوضاع حقوق الإنسان في تركيا، حيث تُستخدم قوانين مكافحة الإرهاب كأداة لقمع المعارضة وإسكات الأصوات المستقلة. ورغم نفي الحكومة التركية لهذه الاتهامات، يظل المجتمع الدولي يطالبها بإجراء إصلاحات جذرية تضمن احترام الحقوق والحريات الأساسية.