سحبت الحكومة التركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية مقترح تعديل تشريعي حول ما يسمى بـ”عملاء النفوذ” بعد ردود فعل واسعة من المعارضة والمجتمع المدني، وفقاً لما أعلنه عضو بارز من حزب الشعب الجمهوري المعارض.
وصرح مراد أمير، نائب رئيس كتلة حزب الشعب الجمهوري، على منصة X يوم الأربعاء، بأن التشريع سحبه الحزب الحاكم بفضل جهودهم خلال الأسابيع الماضية، بما في ذلك توعية الرأي العام والنقاشات والانتقادات التي وجهوها في البرلمان، على حد قوله.
ومع ذلك، يبدو أن حزب العدالة والتنمية لم يتخلَّ تماماً عن المقترح، بحسب ما أفادت قناة إن تي في، حيث أشار عبد الله غولر، رئيس كتلة حزب العدالة والتنمية، إلى أن الحزب يريد منح المعارضة فرصة لإبداء مخاوفها، مضيفًا بأنهم دعوا حزب الشعب الجمهوري لتقديم مقترحات للحل، وأنهم سيناقشون التشريع مجدداً في الأسبوع القادم. وأكد: “إذا لم يقدم حزب الشعب الجمهوري مقترحاً جديداً، سنعيد تقديم نفس النص القانوني.”
وفقاً للتشريع المقترح، سيتم تعريف الأشخاص الذين ينشرون “دعاية سوداء” ضد تركيا أو الذين يظهرون كأنهم يدعمون تركيا بينما يعملون ضدها فعلياً، كـ”عملاء نفوذ” وسيواجهون عقوبات بالسجن.
وينص التعديل المقترح على المادة 339 من قانون العقوبات التركي على أن “الأشخاص الذين يقومون أو يكلفون بإجراء أبحاث عن المواطنين الأتراك أو المؤسسات أو الأجانب في تركيا في إطار مصالح أو توجيهات دولة أو منظمة أجنبية ضد أمن الدولة أو مصالحها السياسية الداخلية أو الخارجية سيواجهون عقوبات بالسجن من ثلاث إلى سبع سنوات.”
وفي حال ارتكاب هذه الجرائم أثناء “الحرب” أو في سياق “تحضيرات الدولة للأنشطة الحربية أو العمليات العسكرية”، قد تصل العقوبة إلى السجن بين ثماني واثنتي عشرة سنة.
وقد انتقدت أحزاب المعارضة، بما فيها حزب الشعب الجمهوري، هذا القانون، معتبرةً أنه قد يفتح الباب لحملة “مطاردة ساحرات” بسبب غموض نطاقه الجنائي، ولأنه قد يفرض قيوداً جديدة على حرية التعبير.
وكانت أكثر من 80 منظمة مجتمع مدني، بما في ذلك فرع منظمة العفو الدولية في تركيا، قد دعت في بيان مشترك، في وقت سابق من هذا الشهر، الحكومة التركية إلى رفض التعديل المقترح على قوانين التجسس في البلاد، محذرة من أن إقراره سيهدد بشكل كبير حرية عمل منظمات المجتمع المدني داخل تركيا.
تأتي هذه المخاوف في وقت يواجه فيه الإعلام التركي قيوداً متزايدة، حيث أُجبرت بعض وسائل الإعلام الأجنبية التي تعدّ مصدر الصحافة الحرة والمستقلة الوحيد في البلاد، على الحصول على تراخيص للبث الإلكتروني.
وقد أسس العديد من الصحفيين الأتراك الذين اضطروا لمغادرة تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016 قنوات إعلامية خاصة بهم في المنفى، يقدمون من خلالها تغطية واسعة للأخبار التي لا تتناولها وسائل الإعلام المحلية بسبب ضغط الحكومة. ويصل هؤلاء الصحفيون إلى الملايين في تركيا من خلال منصات التواصل الاجتماعي، مما يوفر بديلاً إعلامياً آخر.
الخشية من التشريع الجديد تعيد للأذهان ردود الأفعال التي صاحبت صدور قانون “مكافحة التضليل الإعلامي” في أكتوبر 2022، الذي جرّم نشر “معلومات كاذبة أو مضللة”. وقد استخدم هذا القانون بالفعل في التحقيق مع عشرات الصحفيين، واتهمه المنتقدون بأنه يفتح المجال للرقابة الشاملة على المعلومات عبر الإنترنت وتقييد الصحافة.
تحتل تركيا، التي تعاني منذ سنوات من تدهور في حرية الصحافة، المرتبة 158 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود (RSF) في مايو المنصرم.