يوجّه البروفيسور صواش جنتش في تحليله السياسي الأخير، عبر قناته على يوتيوب، رسالة مباشرة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ودائرته الضيقة، مؤكداً أن تركيا وصلت إلى مرحلة مفصلية من تاريخها السياسي، لا يمكن تجاهل تداعياتها، ولا التغاضي عن خطورتها.
من موهبة شابة إلى حكم مطلق
بدأ أردوغان مسيرته السياسية في سن مبكرة، ولم تكن بدايته مجرد انخراط في السياسة، بل في بناء مسيرة سلطوية طويلة الأمد. تسلّم مقاليد الحكم في ظل أوضاع اقتصادية منهارة ونخبة سياسية مستسلمة للوصاية العسكرية. حينها، وجدت فيه جماهير واسعة، من الأكراد والليبراليين والإسلاميين وبعض القوميين، فرصة لكسر تلك المعادلات.
عصر الذهب: تحالف جماهيري وظروف اقتصادية مواتية
استفاد أردوغان من ظروف عالمية ملائمة، حيث كانت السيولة المالية متاحة بأسعار زهيدة، فازدهر قطاع الإنشاءات وارتفعت المؤشرات الاقتصادية. هذا الازدهار عزّز شعبيته، وخلق لديه وهمًا بأن النجاح يعود إليه وحده.
من “سيادة الإرادة الوطنية” إلى “دولة الحزب“
لكن، ما إن بدأ يواجه معارضة قوية ومجتمعًا سياسيًا متماسكًا يصعب إخضاعه، حتى اتجه إلى فرض السيطرة بالقوة، معتمدًا على القضاء، وموظفا أدوات الدولة ضد الشعب نفسه من سجن الخصوم السياسيين إلى التهديد بتعيين أوصياء على أحزاب المعارضة، ومن اعتقال رؤساء بلديات منتخبين إلى السيطرة على الإعلام أو إخضاعه للرقابة والحجب، لكن هذه الخطوات لم تؤتِ الثمار المرجوة، وفقا لرؤية صواش جنتش.
المفاجأة: المعارضة تستفيق… والشارع يتحرّك
اعتقد أردوغان أنه سيواجه دومًا معارضة شكلية على غرار زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق كمال كليتشدار أوغلو، أي معارضة يسهل السخرية منها أو كبحها، لكن تحركات الشارع وتحالفات جديدة داخل المعارضة أفسدت حساباته. ومع تنامي دعم الجماهير لحزب الشعب الجمهوري، ازداد غضبه وتصعيده، دون جدوى.
المواجهة القضائية… ولكن إلى متى؟
يواصل جنتش بأن أردوغان استعاض عن شعبيته المتآكلة باستخدام “قضاة شباب” في محاولة لردع المعارضة، لكن المتضررين من هذه الإجراءات يواجهون القضاة بنظرات فيها تحدٍّ وصبر: “إلى متى ستستمرون في الضرب؟ هل تظنون أنكم ستنتصرون إذا سجنتم كل المعارضين؟“
الواقع الجديد: معارضة صلبة وشارع لا يستسلم
يشير جنتش إلى أن أردوغان لم يتوقع أنه سيأتي يوم تكون فيه المعارضة جاهزة لمواجهته ضمن الأطر الديمقراطية، متابعًا بقوله: “اليوم، تقول المعارضة لأردوغان علنًا: “اضرب، أيها الرجل المسن، اضرب… إلى متى تستطيع الاستمرار؟ فالمجتمع التركي، الذي ذاق طعم الديمقراطية والحرية، لن يرضى بحكم استبدادي طويل. تجربة انتخابات إسطنبول، وما تبعها، أثبتت أن الشعب لن يسكت على سرقة صناديقه”.
العودة إلى الوراء… هل ما زال ممكنًا؟
يعتقد جنتش أن النظام القضائي لا يمكن أن يحسم المعركة لصالح الرئيس إلى الأبد، وأن أي حكم استبدادي في بلد ذاق طعم الحرية والدستور، لن يُكتب له الاستمرار، مشددا على أن المعارضة لن تتراجع، والشعب لن يرضخ، والخطاب السلطوي فقد بريقه.
يسأل جنتش: “ما خطة أردوغان إن لم تستسلم المعارضة؟ هل يعتزم اعتقال 65% من الشعب؟ وهل يظن فعلًا أنه يمكن إخضاع الأغلبية للأقلية بالقوة؟”، ثم يؤكد قائلا: “هذه السياسات تهدد الحزب الحاكم نفسه، وترث لورثته مستقبلاً مليئًا بالمخاطر. فمهما حاولوا المقارنة بأنظمتهم بدول أخرى، فتركيا ليست روسيا ولا إيران. تركيا اختبرت الدولة الحديثة، ولن تقبل العودة إلى الوراء”.
دعوة للعقل والحوار
يدعو جنتش الرئيس إلى الحوار بدل التصعيد، إلى مصافحة المعارضين بدل إخضاعهم بالقضاء، وإلى الحديث مع الشعب قبل أن يفقد ثقته نهائيًا. ويرى أن اللقاء مع شخصيات مثل أكرم إمام أوغلو ربما يفتح طريقًا لإنقاذ البلاد من أزمة خانقة.
التحول قادم… والأذكى من يستعد له
يختم جنتش تحليله بتساؤل حاسم: متى سيتراجع الرئيس عن هذا المسار الذي لا يحظى بقبول شعبي؟ متى ستنخفض حدة التوتر السياسي؟ يرى أن كل تأخير في التراجع يزيد من حجم الضرر الذي سيطال الجميع، بما فيهم الرئيس نفسه.

