صنف تقرير حديث لمنظمة «مراسلون بلا حدود» تركيا ضمن قائمة الدول التي تمارس المضايقات القضائية والإدارية ضد الصحفيين الذين يحققون في قضايا تتعلق بالبيئة، مثل إزالة الغابات، واستغلال المناجم، والانتهاكات البيئية للشركات الكبرى.
ويشير التقرير إلى أن الصحافة البيئية في تركيا أصبحت أحد أخطر مجالات العمل الصحفي، في ظل تزايد القضايا المرفوعة ضد المراسلين وتوسع رقابة السلطات على المحتوى.
استهداف جماعي لصحفيي «سوزجو» المعارض
التقرير أشار إلى أن ستة وعشرين صحفيًا من جريدة «سوزجو» المعارضة، يواجهون ملاحقات قضائية بعد نشرهم تحقيقات عن مشاريع إزالة الغابات واستخراج الذهب التي تنفذها شركات تابعة لرجل الأعمال محمد جنكيز، مالك مجموعة «جنكيز القابضة».
وجاءت الشكاوى القانونية ضد هؤلاء الصحفيين بتهم مستندة إلى عدة مواد من قانون العقوبات التركي، تضمنت «الإخلال بالسلام العام»، و«إثارة الكراهية والعداء بين فئات المجتمع»، و«نشر معلومات مضللة»، و«التحريض على مخالفة القانون»، إضافة إلى «الإهانة والتشهير».
هذه الاتهامات، بحسب المنظمة، جاءت استنادًا إلى174 تقريرًا صحفيًا تناولت نشاطات الشركة في مجالات التعدين والبنية التحتية، وبعضها استشهد بخطابات وتصريحات رسمية لنواب في البرلمان التركي انتقدوا سياسات الشركة.
قرارات قضائية تكرّس الرقابة
وفي سبتمبر الماضي، أصدرت محكمة تركية قرارًا يقضي بحجب خمسة عشر مقالًا نُشرت بين أبريل وأغسطس من العام نفسه، معتبرة أنها تحتوي على مضامين «قد تضر بالأمن القومي والنظام العام».
وتُعد هذه القرارات مثالًا على تنامي الرقابة القضائية على المحتوى الصحفي في تركيا، إذ تُستخدم تهم الأمن القومي ذريعةً لإسكات التقارير التي تكشف ممارسات بيئية أو مالية مثيرة للجدل.
محمد جنكيز… رجل الأعمال المثير للجدل
ويُعد محمد جنكيز واحدًا من أبرز رجال الأعمال المقربين من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتعود شهرته إلى أواخر عام 2013 حين كُشف اسمه في فضيحة الفساد الكبرى التي هزت البلاد وارتبطت بمسؤولين رفيعي المستوى من حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ويُصنف جنكيز ضمن ما يُعرف في الأوساط السياسية التركية بـ«العصابة الخماسية»، وهو توصيف تستخدمه المعارضة للإشارة إلى مجموعة من رجال الأعمال الذين فازوا بمعظم المناقصات الحكومية الكبرى خلال فترة حكم أردوغان، خاصة في مجالات المقاولات والتعدين والطاقة.
البيئة مقابل المصالح الاقتصادية
تسلّط هذه الملاحقات الضوء على التضارب المزمن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة في تركيا، حيث تواجه الشركات الكبرى اتهامات متكررة بانتهاك القوانين البيئية، في ظل ضعف آليات المساءلة واستغلال النفوذ السياسي.
ويؤكد مراقبون أن هذه البيئة القمعية تدفع الصحفيين إلى الرقابة الذاتية خشية الملاحقة، ما يؤدي إلى تراجع التغطية الاستقصائية لقضايا البيئة والمناخ.
دعوة دولية لحماية الصحافة البيئية
طالبت منظمة «مراسلون بلا حدود» الحكومات حول العالم بجعل حماية الصحفيين البيئيين جزءًا أساسيًا من سياسات مكافحة تغيّر المناخ، مؤكدة أن الشفافية في تغطية الأزمات البيئية هي شرط مسبق لتحقيق العدالة المناخية.
وحذرت المنظمة من أن قمع الأصوات الصحفية المستقلة يقوّض الجهود الدولية الرامية إلى مراقبة الانتهاكات البيئية ومحاسبة المسؤولين عنها.
تدهور متواصل في حرية الصحافة التركية
وبحسب تقارير حديثة لمؤسسات مراقبة حرية التعبير، يقبع حاليًا ثمانية وعشرون صحفيًا في السجون التركية، وهو ما يعكس التدهور المستمر في مناخ الحريات الإعلامية.
وفي مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2025، حلّت تركيا في المرتبة 159 من بين 180 دولة، ما يؤكد اتساع الفجوة بين الخطاب الرسمي حول الديمقراطية والواقع العملي في التعامل مع الصحفيين.

