تشهد تركيا مجددًا نقاشًا محتدمًا حول احتمال الإفراج عن السياسي الكردي المعتقل، صلاح الدين دميرطاش، في ظل بوادر انفتاح من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحليفه القومي دولت بهجلي، ما يعزز الآمال بإنهاء الصراع المسلح الممتد لعقود بين تركيا وحزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور.
دميرطاش.. معارض بارز خلف القضبان رغم الأحكام الأوروبية
يقبع دميرطاش، الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) وأحد أبرز معارضي أردوغان، في السجن منذ نوفمبر 2016 بتهم تتعلق بالإرهاب، وذلك في سياق حملة قمعية شنتها الحكومة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو من العام نفسه.
وعلى الرغم من الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECtHR) التي تطالب بالإفراج عنه، تواصل السلطات التركية رفض الامتثال لهذه القرارات.
بوادر تغيير.. أردوغان وبهجلي يتواصلان مع دميرطاش
وفقًا لتقرير للصحفي يلديراي أوغور على موقع “سربستيت”، وافق أردوغان مؤخرًا على طلب دميرطاش بالسفر من سجنه في أدرنة إلى إسطنبول لمرافقة زوجته باشاك خلال عملية جراحية، مما اعتبره مراقبون لافتًا في سياق العلاقة المتوترة بين الطرفين.
لكن التطور الأبرز جاء مع الاتصال الذي أجراه زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، مع دميرطاش أثناء وجوده في المستشفى، حيث تمنى لزوجته الشفاء العاجل وشكره على دعمه لعملية السلام. ويمثل هذا الموقف تحولًا مفاجئًا، خاصة أن بهجلي كان من أشد منتقدي دميرطاش، وسبق أن وصفه مرارًا بـ”الإرهابي”.
جدير بالذكر أن بهجلي كان قد أثار جدلًا واسعًا في أكتوبر الماضي عندما عرض “فرصة” على زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، للإعلان عن تخليه عن العنف، وهو ما فسّره البعض حينها على أنه مؤشر على تحول محتمل في موقف القوميين الأتراك من المسألة الكردية.
أوجلان يدعو لإنهاء النزاع المسلح.. خطوة تاريخية
في تطور غير مسبوق الأسبوع الماضي، أصدر عبد الله أوجلان، القابع في سجن جزيرة إمرالي منذ 1999، بيانًا دعا فيه حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، معتبرًا أن الظروف أصبحت مهيأة لإنهاء الصراع الدموي المستمر منذ 1984، والذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص.
وجاء في بيانه: “إن الدعوة التي وجهها السيد دولت بهجلي، إلى جانب الإرادة التي أظهرها السيد الرئيس، والاستجابة الإيجابية من الأطراف السياسية المختلفة، خلقت مناخًا يسمح لي بإطلاق هذه الدعوة التاريخية. وأنا أتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا النداء.”
وقد لقي هذا الإعلان ترحيبًا واسعًا داخل تركيا وخارجها، حيث اعتبره المراقبون خطوة حاسمة نحو إنهاء الصراع الطويل بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني.
دميرطاش يدعم دعوة أوجلان ويثني على أردوغان وبهجلي
من داخل سجنه، عبّر دميرطاش عن دعمه لدعوة أوجلان عبر مقال نشره موقع “غازيتة دوفار”، دعا فيه الجميع إلى تبني خيار السلام، مؤكدًا أنه سيفعل كل ما بوسعه لضمان نجاح جهود أردوغان وبهجلي وأوجلان في تحقيق المصالحة. وختم مقاله بعبارة لافتة: “لندعم جميعًا السلام. أتمنى للسيد أردوغان والسيد بهجلي والسيد أوجلان حياة طويلة وصحية.”
موقف حزب “الديمقراطية والمساواة للشعوب“
في أول تعليق رسمي، أكدت المتحدثة باسم حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، أيشغول (عائشة جول) دوغان، خلال مؤتمر صحفي يوم الإثنين، أن بهجلي لم يكتفِ بالاتصال بدميرطاش، بل تحدث أيضًا مع السياسي الكردي المخضرم أحمد ترك، وأبلغه بعد بيان أوجلان أن “كل شيء سيكون على ما يرام”.
وكان ترك قد شارك في الوفد الذي زار أوجلان في سجنه، ثم أجرى سلسلة لقاءات مع الأحزاب السياسية لإطلاعها على نتائج المحادثات.
هل يمهّد أردوغان وبهجلي لإطلاق سراح دميرطاش؟
يرى مراقبون أن هذه التطورات قد تشكل أرضية مناسبة لإطلاق سراح دميرطاش، خاصة في ظل حديث بعض الأوساط القريبة من حزب الحركة القومية عن إيجابية الاتصال بين دميرطاش وبهجلي.
الصحفي يلديراي أوغور يعتقد أن هذه الخطوات قد تساعد في طمأنة الأكراد المترددين والمعارضة القلقة من أن يكون دميرطاش مهمشًا في أي عملية سلام مستقبلية. كما أن الإفراج عنه قد يساهم في تحسين صورة تركيا على الساحة الدولية، لا سيما فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان والامتثال لقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
تحولات استراتيجية في الملف الكردي
قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2023، كان أردوغان يستخدم خطابًا قوميًا متشددًا، مؤكدًا أن دميرطاش سيبقى في السجن طالما هو في السلطة. لكن اليوم، يبدو أن تركيا أمام نقطة تحول محتملة في سياساتها تجاه القضية الكردية، وهو ما قد يعيد تشكيل المشهد السياسي الداخلي، سواء من خلال إحياء عملية السلام أو عبر ترتيبات جديدة تشمل مصير دميرطاش ومستقبل العلاقة بين الدولة التركية والأكراد.