صدام جديد بين المعارضة والقضاء التركي
في مشهد يعكس تصاعد التوتر السياسي والقضائي في تركيا، أطلقت النيابة العامة التركية تحقيقًا جنائيًا بحق عدد من نواب حزب الشعب الجمهوري المعارض (CHP)، إثر تعليقهم لافتة كُتب عليها “الحرية لإمام أوغلو” على جسر البوسفور في إسطنبول، ضمن احتجاج رمزي يطالب بالإفراج عن رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، المعتقل على خلفية تهم فساد يرى كثيرون أنها ذات دوافع سياسية.
تفاصيل الاحتجاج: لافتة على جسر 15 تموز
اللافتة الحمراء التي رُفعت يوم السبت، تضمنت صورة مصممة بأسلوب فني لإمام أوغلو، إلى جانب عبارة “FREE İMAMOĞLU”، وشارك في تعليقها نواب من الحزب المعارض على جسر “شهداء 15 تموز”، المعروف سابقًا بجسر البوسفور، أحد أبرز رموز إسطنبول.
نشر زعيم الحزب، أوزجور أوزيل، صورًا على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) توثق لحظة رفع اللافتة، وكتب: “هذا ردنا على الانقلابيين الذين حظروا صور ولافتات مرشحنا الرئاسي أكرم إمام أوغلو. هذه مجرد البداية. النضال مستمر.” واستخدم الوسم #İmamoğluHerYerde، أي “إمام أوغلو في كل مكان”، والذي سرعان ما تصدر منصات التواصل.
رد فعل السلطات: إزالة اللافتة وفتح تحقيق
لم يمر الاحتجاج دون رد فعل سريع؛ إذ قامت الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية الجسر بإزالة اللافتة فورًا، وأعلنت النيابة العامة في إسطنبول فتح تحقيق رسمي في الحادثة.
يأتي ذلك في ظل قرارات متتالية بحظر استخدام صوت وصورة إمام أوغلو في وسائل النقل العامة بإسطنبول، وهي قرارات وصفتها المعارضة بأنها “قمع سياسي ممنهج”، واستمرار لحملة تضييق واسعة على المعارضة.
إمام أوغلو يرد من السجن: القضية تتجاوزني
رغم احتجازه، علّق إمام أوغلو على الاحتجاج عبر حسابه الرسمي المخصص للتواصل الدولي، قائلاً: “ما لا يدركونه هو أن هذه المعركة ليست عني. إنها معركة من أجل الكرامة، والحقوق، والحريات. كلما حاولوا محو صوري من مدينتي الجميلة، ستظهر من جديد، حتى في أماكن غير متوقعة، مثل جسر البوسفور.”
إمام أوغلو يقبع حاليًا في سجن مرمرة بمنطقة سيليفري، في إطار “توقيف احتياطي” على خلفية تهم فساد، يقول معارضون إنها ذات طابع انتقائي وسياسي، وتهدف لإخراجه من معادلة الانتخابات الرئاسية القادمة، حيث يُعد المنافس الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان.
احتجاج من تحت الجسر: رمزية مزدوجة
جاء رفع اللافتة بالتزامن مع جولة بحرية في مضيق البوسفور نظّمها الحزب بمشاركة أوزيل وعدد من أعضاء “مجلس الاشتراكية الدولية”، الذين كانوا في إسطنبول لحضور اجتماع رسمي. وبينما كان القارب يمر تحت الجسر، رفع النواب المشاركون، وهم: سعاد أوزتشاغداش، وعلي جوكشيك، ومحمود تانال، ونعمت أوزدمير، وإلهامي أوزجان آيغون، وباران يازغان، اللافتة في مشهد رمزي ذي دلالة قوية.
لاحقًا، أصدر مجلس الاشتراكية الدولية بيانًا رسميًا يدعو إلى الإفراج عن إمام أوغلو، ورفع قادة أحزاب اشتراكية من عدة دول، بينهم رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، لافتات تضامن مكتوب عليها “Free İmamoğlu”.
تصعيد متواصل: لافتات المعارضة مقابل الحظر الرسمي
في تعليقه على فتح التحقيق، قال أوزيل في فعالية رياضية عامة بمنطقة كاديكوي في إسطنبول يوم الأحد: “انتظروا فقط لتروا أين سنرفع اللافتات لاحقًا. أكرم في كل مكان.”
ويأتي هذا الموقف استمرارًا لخطاب يتبناه الحزب مؤخرًا، مفاده أن الحملة ضد إمام أوغلو هي محاولة منظمة لإقصائه من الحياة السياسية.
الخلفية القضائية: سلسلة من الاستهدافات ضد رؤساء بلديات المعارضة
منذ أشهر، تتعرض المعارضة، وخصوصًا رؤساء البلديات التابعون لحزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، لموجة من التحقيقات والإقالات تحت ذرائع تتعلق بالإرهاب أو الفساد، وهي تُواجَه باتهامات من منظمات حقوقية ومراقبين باعتبارها ذات طابع سياسي هدفه تحجيم نفوذ المعارضة قبل الانتخابات المحلية والرئاسية المقبلة.

