بقلم: ياوز أجار
شهدت السياسة التركية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان تحولات دراماتيكية، تراوحت بين محاولات التقارب مع المعسكر الشرقي والعودة إلى الكتلة الغربية.
تعكس هذه التحولات مزيجًا من طموحات أردوغان السياسية ورغبته في تعزيز نفوذه داخليًا وخارجيًا، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية التي دفعته لإعادة النظر في تحالفاته الدولية.
بين الشرق والغرب: لعبة التوازنات
في العقد الثاني من حكمه، تبنى أردوغان نهجًا يشير إلى تقاربه مع روسيا والصين، معززًا خطابًا يدعو إلى استقلالية القرار التركي عن الغرب. وقد جاءت هذه الاستراتيجية مدفوعة برغبته في بناء نظام جديد يضع جميع أجهزة الدولة تحت سيطرته الكاملة، ويقلل من اعتماد تركيا على الغرب، ويحقق طموحاته في توسيع نفوذه السياسي والعسكري في المنطقة، خصوصًا في الملف السوري.
ومع ذلك، اصطدمت هذه السياسة بحدودها نتيجة الضغوط الاقتصادية المتزايدة التي أثقلت كاهل الاقتصاد التركي. تحت وطأة هذه الضغوط، اضطر أردوغان إلى إعادة توجيه سياساته نحو الغرب، مستعينًا بمستشارين ذوي ميول غربية مثل رئيس المخابرات التركي إبراهيم قالين، الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا.
عودة تركيا إلى الكتلة الغربية: مناورة محسوبة
كانت عودة تركيا إلى الغرب خطوة استراتيجية دقيقة. أردوغان، المعروف بمهارته في التفاوض، استغل هذا التحول لإعادة تموضع تركيا على الساحة الدولية، مقدمًا بلاده كعنصر أساسي في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
في هذا السياق، شكل إسقاط نظام بشار الأسد نقطة محورية في تعزيز موقع تركيا ضمن المعسكر الغربي. وبفضل التطورات الأخيرة في سوريا، نجح أردوغان في تسويق نفسه كلاعب أساسي لا يمكن تجاهله لتحقيق التوازنات الإقليمية.
الانعكاسات الداخلية: تحديات الأوراسيين
على الصعيد الداخلي، لا تزال تداعيات هذا التحول تثير جدلًا واسعًا. فالأوساط “الأوراسية” التي دعمت توجه أردوغان نحو الشرق قد تجد نفسها الآن مهمشة. من المحتمل أن تحاول هذه القوى تقويض هذا التحول وإحداث توترات داخلية. وبالفعل، فتحت السلطات التركية تحقيقا بحق زعيم حزب الوطن، دوغو برينجك، أحد أهم ممثلي الأوراسيين في تركيا، على أساس أنه وصف الجيش السوري الحر بـ “الإرهابي” وإشادته بالأسد.
السؤال المطروح هو: هل ستدخل هذه القوى في صدام مع أردوغان؟ أم سيتمكن الأخير من التوفيق بين المعسكرين كما فعل في الماضي؟ يبقى هذا الأمر رهن التطورات المقبلة.
من ناحية أخرى، يمكن للغرب، خاصة واشنطن وبروكسل، استغلال أي ضعف داخلي لفرض عقوبات سياسية أو اقتصادية إذا ما تراجع أردوغان وشركاؤه من المجموعات الإسلامية في المنطقة، خصوصًا في سوريا، عن التزاماته تجاه الحلفاء الغربيين.
المستقبل: تحديات التوازن
في الوقت الراهن، تسير تركيا تحت قيادة أردوغان على حبل مشدود بين الشرق والغرب. وعلى الرغم من نجاح هذه الاستراتيجية في المدى القصير، إلا أنها تنطوي على مخاطر كبيرة. فاستمرار اللعب على التوازن قد يؤدي إلى فقدان ثقة كلا الطرفين، مما يضع تركيا في موقف حرج.
أردوغان أثبت مجددًا مهارته في إدارة الأزمات الدولية، لكنه يدرك أن الحفاظ على هذا التوازن يتطلب دقة وحذرًا كبيرين. التحدي الأكبر يتمثل في الحفاظ على وحدة الداخل التركي وتعزيز مكانة تركيا الدولية كشريك مستقر.
المستقبل يحمل العديد من التحديات، لكن الواضح أن تركيا ستبقى لاعبًا رئيسيًا في التوازنات الإقليمية والدولية طالما استمر أردوغان في استغلال أوراقه بذكاء.