شهدت مدينة إسطنبول يوم الثلاثاء واحدة من أضخم التظاهرات السياسية في تركيا خلال السنوات الأخيرة، إذ تجمع ما لا يقل عن10 آلاف شخص أمام مبنى بلدية إسطنبول الكبرى في حي سراجخانة، إحياءً للذكرى المئوية لاعتقال رئيس البلدية المعارض أكرم إمام أوغلو، في قضية يصفها كثيرون بأنها ذات دوافع سياسية.
المظاهرة التي نظمها حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، جاءت للتنديد باعتقال إمام أوغلو، المرشح الرئاسي المحتمل للانتخابات المقبلة، والمطالبة بالإفراج عنه، وسط هتافات تطالب بـ”العدالة والديمقراطية”، وترفع شعارات ضد السلطة الحاكمة.
حملة أمنية مكثفة: اعتقال 42 متظاهراً في إسطنبول
بحسب بيان رسمي أصدره وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا عبر منصة إكس، قامت الشرطة باعتقال42 شخصاً خلال المظاهرة بتهمة “إهانة الرئيس رجب طيب أردوغان” و”مقاومة عناصر الأمن“.
ورغم الإفراج عن ثمانية منهم لاحقاً خلال اليوم نفسه، إلا أن34 متظاهراً ما زالوا قيد الاحتجاز، ومن المنتظر أن يُحالوا إلى المحكمة يوم الخميس.
كما استخدمت قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، مما أدى إلى وقوع اشتباكات محدودة. وأفادت وسائل إعلام محلية بأن أحد المتظاهرين تعرض للإعياء نتيجة التدخل الأمني، حيث قام النائب المعارض دنيز يافوز يلماز بإسعافه ونقله بسيارة إسعاف.
موجة اعتقالات موازية في إزمير: 130 موظفاً رهن التحقيق
في سياق متصل، شهدت مدينة إزمير، المعروفة أيضًا بكونها معقلاً للمعارضة، عملية أمنية واسعة استهدفت موظفين في بلدية المدينة، حيث ارتفع عدد المعتقلين إلى 130 شخصاً حتى يوم الأربعاء، جميعهم يواجهون تهم فساد تتعلق بالتلاعب في المناقصات العامة، وتعطيل تنفيذ العقود، والاحتيال الجسيم.
العملية جاءت على غرار الحملة الأمنية التي نفذت في إسطنبول يوم 19 مارس، والتي كانت قد استهدفت مسؤولين في بلديات المعارضة وانتهت آنذاك باعتقال إمام أوغلو نفسه.
إمام أوغلو في السجن: هل يتحول إلى رمز لمعارضة النظام؟
اعتقال أكرم إمام أوغلو، أحد أبرز وجوه المعارضة وخصم سياسي قوي للرئيس أردوغان، فجر احتجاجات غاضبة منذ مارس الماضي.
خرجت تظاهرات حاشدة أمام بلدية إسطنبول فور اعتقاله، وانتقلت إلى شوارع المدن الكبرى، حيث اندلعت مواجهات ليلية مع قوات مكافحة الشغب، وصفت بأنها الاضطرابات الأكبر في تركيا منذ أكثر من عقد.
أكثر من2000 شخص اعتقلوا خلال تلك الأحداث، بينهم عدد كبير من الطلاب والصحفيين، في مؤشر على تصاعد الغضب الشعبي واتساع دائرة الرفض السياسي للخطوات القمعية التي تطال رموز المعارضة.
ورغم توقف المظاهرات الليلية بعد أسبوع، إلا أن حزب الشعب الجمهوري استمر في تنظيم فعاليات جماهيرية بأنحاء البلاد، مما ساهم في رفع شعبيته بشكل ملحوظ في استطلاعات الرأي الأخيرة.
أبعاد سياسية وأمنية: السلطة تضيّق الخناق والمعارضة تعزز حضورها
السلطات التركية تصف ما يحدث على أنه حملة قانونية ضد الفساد الإداري في بلديات المعارضة، بينما يرى المراقبون أن هذه تحركات انتقائية هدفها تحجيم نفوذ المعارضة قبيل الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وإضعاف إمام أوغلو الذي يُنظر إليه كأبرز منافس محتمل للرئيس أردوغان.
في المقابل، تُكثف المعارضة من تحركاتها على الأرض، مستفيدة من الرمزية المتزايدة لاعتقال إمام أوغلو وما تثيره من تضامن شعبي ومساندة دولية متنامية.

