من قصر الرئاسة في أنقرة إلى كواليس الدبلوماسية الأوروبية، يعيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تكرار شعاره الجديد-القديم: “تركيا بحاجة إلى دستور مدني جديد”. وعلى الرغم من نفيه المتكرر لأي نية للترشح مجددًا، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي آدم ياوز أرسلان أن هذه الدعوات ليست إلا غطاءً لمخطط سياسي يهدف إلى تمهيد الطريق نحو ولاية رئاسية رابعة.
ما وراء الخطاب: عندما تُستخدم “الإصلاحات” لإعادة ضبط العداد
يشير أرسلان إلى أن أردوغان سبق أن أطلق وعوداً مماثلة بعدم الترشح مجددًا: في 2009 قال إنه لن يعود للبرلمان، وفي 2012 أعلن أنها حملته الأخيرة، وفي 2022 وصف انتخابات 2023 بأنها “النهائية”، ثم كرر ذلك قبيل انتخابات 2024 المحلية. لكن التاريخ أثبت أن تلك التصريحات لم تكن سوى تكتيك سياسي مرحلي.
وبحسب الدستور التركي الحالي، لا يحق للرئيس الترشح لأكثر من فترتين. أردوغان انتُخب في 2014 و2018، وأعيد انتخابه في 2023، رغم الجدل القانوني. وقد أتاح له تعديل 2017 الدستوري، الذي جاء بعد محاولة الانقلاب، إعادة “ضبط العداد” حسب تفسير المحاكم الموالية، ما منح ترشيحه في 2023 غطاءً قانونيًا.
لكن للوصول إلى ولاية رابعة، يحتاج إما إلى انتخابات مبكرة يُقرها البرلمان (وهو ما ينطوي على مخاطر سياسية)، أو إلى دستور جديد يُعيد منحه صفحة بيضاء دون اللجوء لصناديق الانتخابات الطارئة.
الدستور التركي… تعديلات لا تنتهي دون ديمقراطية حقيقية
يرى أرسلان أن دستور 1982، رغم كونه إرثًا عسكريًا، خضع لتعديلات عديدة (1987، 1995، 2001، 2004، 2007، 2010، و2017) لم تُفضِ إلى توسعة الحريات بقدر ما زادت من هيمنة السلطة التنفيذية. ففي عام 2017، استخدم أردوغان مناخ ما بعد الانقلاب لإقرار نظام رئاسي ألغى فعليًا دور البرلمان، وأضعف الضوابط المؤسسية لصالح مركزية سلطوية.
القضاء في خدمة السلطة: حين تصبح الشرعية مجرد غطاء
بحسب أرسلان، فإن المؤسسات التركية فقدت استقلاليتها، وعلى رأسها القضاء، الذي أصبح أداة بيد السلطة التنفيذية. فالقرارات القضائية كثيرًا ما تتجاهل الدستور التركي ذاته، وتتحدى أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وأضاف أن النظام القضائي بات يُستخدم لتصفية الخصوم، كما حدث مع صلاح الدين دميرطاش في 2016، وأكرم إمام أوغلو في 2025، حيث استُخدم تعديل دستوري لإسقاط الحصانة البرلمانية عن دميرطاش تمهيدًا لسجنه، بينما أُودع إمام أوغلو السجن في قضية يعتبرها كثيرون ذات طابع سياسي بحت.
لماذا الآن؟ الشرعية الرمزية… لا الإصلاح الحقيقي
يُرجع أرسلان توقيت هذه المبادرة إلى حاجة أردوغان إلى “شرعية قانونية جديدة”، أكثر من رغبته الفعلية في الإصلاح. فحتى الحاكم المستبد، كما يقول، يحتاج إلى غطاء شكلي من الشرعية والمؤسسات.
الدستور الجديد سيكون “مسرحًا انتخابيًا” لا مشروع إصلاح وطني، لأنه يصدر عن بيئة سياسية تُقصى فيها المعارضة وتُسحق فيها الحريات.

