أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الجمعة، أن بلاده لن تخضع لما وصفه بـ”إرهاب الشوارع”، في إشارة إلى الاحتجاجات التي اندلعت عقب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، والذي يُعد أبرز منافسيه السياسيين.
وشدد أردوغان على أن الحكومة لن تتسامح مع هذه التظاهرات، التي وصفها بأنها محاولة لزعزعة الاستقرار عبر استغلال قضية فساد قيد التحقيق.
تصاعد الاحتجاجات وتوسّعها في أنحاء البلاد
جاءت تصريحات أردوغان في وقت دعا فيه حزب الشعب الجمهوري (CHP)، أكبر أحزاب المعارضة، إلى تنظيم مظاهرات واسعة على مستوى البلاد رفضًا لاعتقال إمام أوغلو، في أكبر موجة احتجاجات تشهدها تركيا منذ سنوات. وبدأت المظاهرات من إسطنبول، ثم امتدت إلى ما لا يقل عن 32 ولاية من أصل 81، ما أسفر عن مواجهات مع قوات الأمن واعتقالات في صفوف المتظاهرين.
ووسط تصاعد التوتر، أطلق زعيم الحزب، أوزغور أوزيل، دعوة لمظاهرة جديدة أمام مقر بلدية إسطنبول مساء الجمعة، متحديًا تحذيرات وزير العدل التركي يلماز تونش، الذي وصف الدعوات للخروج إلى الشارع بأنها “غير قانونية وغير مقبولة”.
وفي هذا السياق، فرض والي إسطنبول تدابير أمنية مشددة شملت إغلاق جسري غلطة وأتاتورك، اللذين يربطان مختلف أحياء المدينة، لتقييد حركة المحتجين، فيما امتدت قرارات حظر التظاهر إلى أنقرة وإزمير، مع تعزيزات أمنية كبيرة تحسبًا لأي تصعيد.
ملابسات الاعتقال والاتهامات الموجهة لإمام أوغلو
اعتُقل إمام أوغلو، إلى جانب 89 شخصًا آخرين، من بينهم رئيسا بلديتين في إسطنبول، ومسؤولون حكوميون، ورجال أعمال، وصحفيون، ضمن تحقيقين تجريهما النيابة العامة في المدينة منذ يوم الأربعاء. وتتمحور الاتهامات حول قضايا فساد وتمويل مزعوم لتنظيمات إرهابية، وهي اتهامات تصر المعارضة على أنها ذات دوافع سياسية تهدف إلى إقصاء إمام أوغلو عن المشهد السياسي.
ووفقًا للقانون التركي، يمكن احتجاز المتهمين لمدة تصل إلى أربعة أيام قبل توجيه التهم رسميًا إليهم. وذكرت وكالة “أنكا” للأنباء أن استجواب إمام أوغلو بدأ يوم الجمعة، في حين يُتوقع مثوله أمام المحكمة مع بقية المعتقلين يوم الأحد.
ردود الفعل السياسية: اتهامات متبادلة
أردوغان، الذي سارع إلى التقليل من شأن الاحتجاجات، وصف ردود فعل المعارضة بـ”الدراما السياسية”، معتبرًا أن حزب الشعب الجمهوري يسعى لتحويل مشكلاته القانونية إلى قضية وطنية. وأضاف: “لن نسمح لمجموعة من الانتهازيين بإشاعة الفوضى لحماية شبكات الفساد والنهب”.
من جانبه، رد أوزغور أوزيل بحزم، مؤكدًا أن حزب الشعب الجمهوري لن يظل حبيس المكاتب والقاعات، بل سينقل معركته إلى الشوارع والساحات العامة. كما أعلن الحزب عن نيته تنظيم مؤتمر استثنائي في السادس من أبريل، وسط تصاعد الضغوط السياسية قبل الانتخابات التمهيدية المقررة يوم الأحد 23 مارس، والتي يعتزم الحزب خلالها إعلان ترشيح إمام أوغلو رسميًا لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2028.
أما حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يمثل الكتلة الكردية المعارضة، فقد أعلن تضامنه مع الاحتجاجات، مؤكداً مشاركته في التظاهرات التي نظمت مساء الجمعة أمام بلدية إسطنبول.
التداعيات الاقتصادية ورفع قيود الإنترنت
لم يقتصر تأثير الأحداث على الجانب السياسي فحسب، بل امتد ليشمل الاقتصاد التركي، حيث تعرضت الليرة التركية لضغوط كبيرة، فيما شهد مؤشر بورصة إسطنبول “BIST 100” انخفاضًا حادًا بنسبة 8% بحلول ظهر الجمعة.
وفي تطور آخر، رفعت السلطات القيود التي فرضتها على وسائل التواصل الاجتماعي منذ اعتقال إمام أوغلو، بعدما أثارت انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوقية وهيئات دولية تراقب حرية التعبير في تركيا.
ماذا بعد؟
رغم تشديد الحكومة لهجتها وفرضها قيودًا أمنية مشددة، إلا أن دعوات المعارضة إلى استمرار التظاهر تشير إلى أن الأزمة مرشحة للتصعيد، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية لحزب الشعب الجمهوري. ويرى مراقبون أن أي محاولة حكومية لعرقلة هذه الانتخابات قد تؤدي إلى تعزيز شعبية إمام أوغلو، وتوسيع دائرة الاحتجاجات.
وفي ظل هذا المشهد المتأزم، تبقى التساؤلات مفتوحة حول مدى قدرة الحكومة على احتواء الأزمة دون تصعيد المواجهة، وما إذا كانت هذه التطورات ستشكل نقطة تحول في المشهد السياسي التركي خلال السنوات المقبلة.

