مثل كمال كليتشدار أوغلو، الزعيم السابق لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، أمام المحكمة يوم الخميس بتهمة إهانة الرئيس رجب طيب أردوغان، وذلك إثر وصفه إياه بـ”اللص الأكبر”، فيما تجمع أنصاره أمام المحكمة تضامنًا معه.
كليتشدار أوغلو، الذي قاد حزب الشعب الجمهوري لمدة 13 عاماً وكان مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو 2023، يواجه عقوبة تصل إلى السجن 11 عاماً وثمانية أشهر، إضافة إلى حظر سياسي محتمل.
خلفية الاتهامات
تعود الاتهامات إلى تصريحات أدلى بها كليتشدار أوغلو بعد تحقيقات الفساد التي نفذتها قوات الأمن بين 17 و25 ديسمبر 2013، ضد شبكة فساد دولية تضم بلال أردوغان، ورجال أعمال مقربين من الحكومة، حيث أشار فيها إلى أردوغان، الذي كان حينها رئيساً للوزراء، بلقب “باشجالان” بمعنى (اللص الأكبر).
وقد عُقدت المحاكمة في المحكمة الجنائية الابتدائية رقم 57 في أنقرة، في ظل مناخ سياسي متوتر واستقطاب متزايد في البلاد.
مظاهرات أمام المحكمة
تجمع حشود من أنصار حزب الشعب الجمهوري، يتقدمهم زعيم الحزب الحالي أوزغور أوزل وشخصيات معارضة بارزة وقادة بلديات، أمام المحكمة، مرددين شعارات مثل “العدالة والحقوق والقانون” و”كليتشدار أوغلو هو أمل الشعب”.
واجهت قوات الأمن صعوبة في السيطرة على الحشود المتزايدة، بينما دخل كليتشدار أوغلو المحكمة وغادرها دون التحدث إلى الجمهور.
السياق السياسي
ترتبط القضية بفضيحة الفساد التي وقعت في 2013، والتي كشفت عن تورط مسؤولين حكوميين كبار ورجال أعمال ومقربين من أردوغان في قضايا رشوة وغسل أموال وتزوير، وكان من بين المشتبه بهم أبناء وزراء ورجل الأعمال الإيراني التركي رضا زراب.
ظهرت تسريبات صوتية يُزعم أنها تظهر أردوغان وهو يأمر ابنه بإخفاء ملايين الدولارات نقداً في منزلهم. ورفض أردوغان تلك الادعاءات، ووصفها بأنها “انقلاب قضائي” دبرته حركة الخدمة، واتجه إلى تصفية شاملة في أجهزة الشرطة والقضاء والجهاز البيروقراطي عمومًا، وأعاد هيكلة النظام القضائي، ليغلق في وقت لاحق القضية تمامًا ويخرج منها أقوى سياسياً.
في المقابل، استمر كليتشدار أوغلو في اتهام أردوغان بالفساد واستخدام مصطلح “باشجالان” (اللص الأكبر) في خطبه ونقاشاته البرلمانية. وقال في المحكمة يوم الخميس: “أنا هنا ليس بسبب جريمة ارتكبتها، بل لتوثيق الجرائم المرتكبة وتسجيل ذلك في صفحات التاريخ”، على حد تعبيره.
الانتخابات وما بعدها
تأتي المحاكمة بعد أشهر من فوز أردوغان بولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو 2023، متغلباً على كليتشدار أوغلو في سباق مثير للجدل. وكان كليتشدار أوغلو قد خاض الانتخابات بدعم من تحالف الشعب المؤلف من ستة أحزاب، واعداً بإعادة الديمقراطية البرلمانية وكبح السلطة التنفيذية ومعالجة الأزمات الاقتصادية.
لكن الهزيمة كشفت عن انقسامات داخل التحالف المعارض، وتعرض كليتشدار أوغلو لانتقادات بسبب عدم قدرته على مواجهة استغلال أردوغان لموارد الدولة وهيمنته على الإعلام واستخدامه الخطابات القومية.
في المحكمة، أقر كليتشدار أوغلو بأخطاء في حملته الانتخابية، بما في ذلك ثقته في حلفاء خانوه لاحقاً، حيث قال: “أندم على عدم شرح المخاطر التي يفرضها النظام الحالي بشكل أفضل، أو مواجهة الفيديوهات المزيفة والدعايات المضللة بشكل أكثر فعالية. فشل المعارضة ترك البلاد عرضة لعدم الاستقرار الاقتصادي والحكم الاستبدادي”.
رسائل دعم
حضر الجلسة أنصار بارزون من المعارضة، بمن فيهم منصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة، ومحرم إنجه، زعيم حزب البلد، فيما أرسل رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، رسالة تضامن من ألمانيا قال فيها: “قد لا أكون حاضراً اليوم، لكن يجب أن يعلم الشعب أننا لن نترك قادتنا وحدهم.”
وواجهت الجلسة انتقادات بسبب ضيق القاعة وازدحامها، إذ قال غوكهان غونايدين، زعيم الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، أمام المحكمة: “هذه المحاكمة ليست سوى وسيلة لترهيب كل من يعارض أردوغان. القضية ليست فقط ضد كليتشدار أوغلو؛ بل هي رسالة لكل من يجرؤ على تحدي هذه الحكومة.”
من جانبه، دافع وزير العدل يلماز تونش عن الإجراءات القانونية، قائلاً إن التهم مبنية على “تصريحات غير مقبولة ومسيئة” للرئيس، مشيرًا إلى أن كليتشدار أوغلو يواجه تحقيقات ومحاكمات أخرى.
شهادة كليتشدار أوغلو
في دفاعه، وجه كليتشدار أوغلو انتقادات لاذعة لحكومة أردوغان، متهماً إياها بالفساد والاستبداد وسوء الإدارة الاقتصادية، وتابع: “أنا هنا ليس كشخص متهم بالسرقة أو الاختلاس، بل كشخص تجرأ على وصف اللص بلص”، على حد وصفه.
وحذر كليتشدار أوغلو من مخاطر تركيز السلطة في يد شخص واحد، زاعماً أن ثروة أردوغان وتعاملاته المالية جعلته عرضة لضغوط خارجية، معقبا بقوله: “القائد الذي يفسده الجشع الشخصي لا يمكنه خدمة الأمة.”
اختتم كليتشدار أوغلو دفاعه برسالة تحدٍ: “هذه مهمتي الأخيرة تجاه هذه الأمة: الوقوف في وجه الفساد والاستبداد مهما كان الثمن”، وفق تعبيره.