أجرى الكاتب الصحفي التركي بنيامين تكين حوارا مع المحلل التركي المختص في الشؤون الروسية د. كريم هاس حول آخر التطورات في سوريا ومجريات الأحداث المحتملة بعدها لصالح موقع “تركش مينيت”.
بينما تعيد روسيا حساباتها في ضوء التغيرات الكبيرة التي شهدتها الساحة السورية، تحدث محلل الشؤون الروسية كريم هاس لموقع “تركش مينيت” عن تداعيات هذه الخسائر الاستراتيجية وتأثير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتزايد في المنطقة.
انهيار نظام الأسد وتأثيره على موسكو
سقوط الرئيس السوري بشار الأسد وفراره إلى موسكو يمثل منعطفًا حاسمًا في الحرب الأهلية السورية ودور روسيا في الشرق الأوسط. كما أن هذه التطورات تمثل نقطة تحول في العلاقات الروسية-التركية وإعادة صياغة ديناميكيات القوة في الشرق الأوسط.
ووفقًا للمحللين، فإن انسحاب روسيا من قواعدها الرئيسية في سوريا يهدد بفقدان موطئ قدم استراتيجي، مما يقوض طموحاتها كقوة عالمية. يرى هاس أن استيلاء المعارضة على دمشق يمثل ضربة قاسية لتطلعات روسيا الجيوسياسية، معقبا بقوله: “هذا ليس مجرد انسحاب تكتيكي، بل خسارة استراتيجية.”
روسيا بين الضغوط الدولية والتحديات الداخلية
تدخل روسيا العسكري في سوريا عام 2015 كان يُنظر إليه على أنه حجر الزاوية في سياسة الرئيس فلاديمير بوتين الخارجية. ورغم نجاحه الأولي في دعم نظام الأسد، يشير هاس إلى أن الضغوط المتزايدة من الحرب في أوكرانيا وتحديات جيوسياسية أخرى أثقلت كاهل موسكو.
وقال هاس: “إدارة عدة جبهات دفعت الموارد الروسية إلى حدودها القصوى. ما يحدث في سوريا يعكس ليس فقط خسارة حليف، بل تراجعًا أوسع في النفوذ الروسي.”
التحديات المتعلقة بالقواعد العسكرية الروسية
على الرغم من بقاء المعدات العسكرية الروسية في سوريا، يكتنف الغموض مستقبل القواعد الحيوية مثل قاعدة حميميم وطرطوس. ويرى هاس أن السيناريو الأفضل يتمثل في الحفاظ على هذه القواعد بقدرات محدودة، في حين أن الأسوأ قد يعني فقدانها بالكامل.
براغماتية أردوغان وتأثيرها على التوازن الإقليمي
استغل أردوغان الوضع لتعزيز نفوذ تركيا في سوريا. ولفت هاس الانتباه إلى علاقة تركيا طويلة الأمد مع هيئة تحرير الشام (HTS)، قائلاً: “لسنوات، تعاونت تركيا مع الهيئة وحافظت على نقاط مراقبة في إدلب لمنع القوات السورية من استعادة المنطقة.”
وأضاف: “أردوغان يتبع نهجًا براغماتيًا في السياسة الخارجية، مدفوعًا بالقوة والفرص وليس بالأيديولوجيا. وقد أظهر هذا النهج من خلال العلاقات المتعددة الأطراف التي يحافظ عليها مع الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران”.
التوترات المتصاعدة في العلاقات الروسية-التركية
التطورات الأخيرة في سوريا أثارت استياءًا في الأوساط السياسية والعسكرية الروسية، إلا أن الكرملين أحجم عن انتقاد تركيا علنًا. وأشار هاس إلى أن هذا الصمت يعكس اعتماد موسكو على أنقرة للتجارة والقنوات الدبلوماسية في ظل العقوبات الغربية. وتابع: “هناك شعور بالخيانة لدى الروس، يشبه الغضب الذي أعقب إسقاط تركيا لطائرة روسية في 2015، ولكن الرهان والخسائر أعلى الآن من السابق.”
ردود فعل روسية متباينة
انتقد الفيلسوف الروسي والمفكر القومي ألكسندر دوغين، المعروف بصلاته بالأوساط الكرملينية المتشددة، ما وصفه بانحياز تركيا للمصالح الغربية والإسرائيلية. ووصف الوضع في سوريا بأنه “مؤلم للغاية”، محذرًا من أن المضي قدمًا بدون دعم روسي قد يضعف موقف تركيا في المنطقة.
وأشار دوغين إلى أن الطموحات الإسلامية تتعارض بطبيعتها مع قدرة تركيا على قيادة العالم العربي، محذرًا من أن القوات الكردية في سوريا، بدعم غربي، قد تعزز نفوذها في غياب الروس.
تداعيات أوسع على المشهد الجيوسياسي
خسارة روسيا لنفوذها في سوريا لها تأثيرات تمتد إلى مناطق أخرى مثل القوقاز وآسيا الوسطى، حيث تواجه تحديات متزايدة من تركيا والقوى الغربية. وعلق هاس: “هذه التطورات تبرز تراجع قدرة روسيا على فرض قوتها بفعالية بسبب النزاع في أوكرانيا. كما تسلط الضوء على قدرة أردوغان على استغلال هذه التغيرات.”
رغم الصعوبات، تظل العلاقات الروسية-التركية عملية ومبنية على المصالح المشتركة، وكما ي وضح كريم هاس فإن “الشراكة بين البلدين كانت دائمًا قائمة على تبادل المنافع وليس الثقة.”