وجّه السياسي الكردي البارز صلاح الدين دميرتاش، الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي السابق، انتقادات حادة لمسار السلام الجاري بين الحكومة التركية والمجموعات الكردية، معتبرًا أن الجهود الحالية تفتقر إلى البعد الاجتماعي والإنساني للمصالحة بين الأتراك والأكراد.
جاءت تصريحات دميرتاش عبر مقال رأي نشره من محبسه في مدينة أدرنة، حيث يقضي حكمًا بالسجن منذ عام 2016 على خلفية تهم ذات طابع سياسي. واعتُبر مقاله الجديد أكثر مواقفه صراحةً منذ بدء المرحلة الأخيرة من مساعي التسوية، في وقت يشهد فيه الملف الكردي حالة ترقب وتوتر سياسي.
من التركيز على السلاح إلى غياب “الأخوة“
رأى دميرتاش أن العملية الجارية تنحصر في مسألة نزع سلاح حزب العمال الكردستاني دون أن ترافقها خطوات لإعادة بناء “قانون الأخوة” بين المجتمعين التركي والكردي. وأوضح أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق بإلقاء السلاح وحده، بل بترميم الثقة المتبادلة واستعادة الروابط الاجتماعية التي تآكلت بفعل عقود من العنف والتهميش.
وكتب دميرتاش أن “السلاح يُنزع لأنه يخالف قانون الأخوة، لكن يجب في الوقت ذاته أن يُعاد إحياء هذا القانون”، منتقدًا غياب أي مبادرة عملية تعيد الشعور بالمواطنة المشتركة والعيش المشترك داخل الدولة الواحدة.
سياق سياسي جديد بعد إعلان حزب العمال الكردستاني
تأتي تصريحات دميرتاش بعد أشهر من إعلان حزب العمال الكردستاني(PKK) وقف العمل المسلح استجابة لدعوة زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان للانتقال إلى العمل السياسي السلمي. وفي أعقاب ذلك، بدأت وحدات الحزب انسحابها من الأراضي التركية نحو شمال العراق، فيما شكّل البرلمان التركي لجنة خاصة لمتابعة الإصلاحات القانونية والسياسية المتعلقة بالسلام.
ورغم أن الحكومة قدّمت العملية بوصفها “فرصة تاريخية لإنهاء صراع دام أربعة عقود“، فإن دميرتاش يرى أن هذه الفرصة مهددة بالضياع ما لم تُستكمل بخطوات رمزية وثقافية ترسخ المصالحة داخل المجتمع.
انتقادات لسياسات الحكومة والمعارضة
اتهم دميرتاش السلطات بتهميش المقاربة الاجتماعية للسلام، مشيرًا إلى غياب المبادرات التي تعزز الرمزية الوطنية المشتركة، مثل الزيارات المتبادلة أو الفعاليات الثقافية الجامعة. ودعا إلى تنظيم مهرجانات ثقافية تركية – كردية مشتركة، ومباريات كرة قدم ودية بين الأقاليم، وزيارات إلى قبور شخصيات بارزة من الجانبين.
واقترح فكرة رمزية لافتة تمثلت في لقاء شبان من أقصى الغرب التركي (أدرنة) مع شبان من أقصى الجنوب الشرقي (حكّاري) عند ضريح مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك في أنقرة، لتلاوة “إعلان أخوة” باللغتين التركية والكردية.
وأشار إلى أن مثل هذه المبادرات لم تُنفّذ، وأن المشهد السياسي امتلأ بالشعارات الفارغة والاتهامات المتبادلة، بينما أدّت العمليات الأمنية ضد المعارضة، ولا سيما ضد حزب الشعب الجمهوري (CHP)بعد توقيف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، إلى تعميق الانقسام بدل رأب الصدع.
وأضاف أن استمرار فرض الوصاية على البلديات الكردية وحرمانها من سلطاتها المنتخبة زاد من الشعور بالظلم، قائلًا إن “الانقسام التركي – التركي أضيف إلى الانقسام التركي – الكردي”.
انقسام داخل الأوساط الكردية
أثارت مقالة دميرتاش نقاشًا واسعًا داخل الساحة الكردية، حيث رحبت بعض الشخصيات بموقفه، بينما انتقده آخرون.
النائبة في حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب ميرال دانش بشطاش وصفت ما كتبه بأنه “قول الحقيقة المرة”، مؤكدة أن السعي نحو السلام والأخوة سيستمر رغم الصعوبات. في المقابل، رأى صحفيون أكراد أن حديث دميرتاش عن “الأخوة” يغفل واقعًا تاريخيًا يقوم على صراع هويات وطنية لا يمكن اختزاله في البعد العاطفي، معتبرين أن مقترحاته الرمزية لا تعالج جذور القضية السياسية والدستورية.
رمزية الخطاب
مراقبون أشاروا إلى أن المقال عكس تحولًا دقيقًا في نبرة دميرتاش الذي كان قد عبّر سابقًا عن تأييده الحذر للمسار الجديد، لكنه اليوم يبدو أكثر انتقادًا للحكومة ولحزبه أيضًا. الصحفيون وصفوا حديثه عن ضريح أتاتورك بأنه رمز مقصود لتجاوز الاستقطاب بين التيارين العلماني والقومي المحافظ، ومحاولة لمدّ جسر رمزي بين الهوية الجمهورية التركية والهوية الكردية.
أبعاد إنسانية خلف القضبان
اختتم دميرتاش مقاله بالتأكيد على أنه يكتب “كصديق للسلام والأخوة” من زنزانته التي يتقاسمها مع عدنان سلجوق مزراكلي، رئيس بلدية ديار بكر المنتخب الذي أُقيل من منصبه في عام 2019 واستُبدل بوصي حكومي. وأشار إلى أنه رغم العزلة، لا يزال متمسكًا بالأمل والإرادة لمواصلة النضال السلمي، معتبرًا أن المصالحة لا يمكن أن تُبنى إلا على أساس الكرامة المتبادلة والمشاركة المتساوية في الحياة السياسية.

