يشهد المشهد السياسي التركي توتراً متصاعداً على خلفية سلسلة محاكمات واعتقالات طالت رؤساء بلديات من حزب الشعب الجمهوري (CHP) المعارض، في إطار حملة حكومية واسعة منذ أواخر عام 2024.
دعوة جديدة أطلقها دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية، الحليف الرئيسي للرئيس رجب طيب أردوغان، لتسريع هذه المحاكمات، أعادت الجدل حول خلفياتها وأهدافها، وسط انتقادات داخلية ودولية تتهم السلطة باستخدام القضاء كسلاح سياسي.
تصريحات بهجلي ودلالاتها
في تصريحات أدلى بها الاثنين، أكد دولت بهجلي أن “العدالة يجب أن تكتمل بكامل أبعادها” فور انتهاء العطلة القضائية الصيفية، مشدداً على ضرورة إنجاز التحقيقات والمحاكمات المرتبطة بالبلديات “بشكل سريع” لطيّ ما وصفه بـ”الخلافات غير المبررة التي تؤثر على المعنويات الوطنية”.
ورغم إعلانه دعم المسار القضائي، فإن إصراره على السرعة فسّره محللون سياسيون بأنه مؤشر على قلقه من طول أمد هذه القضايا وتأثيرها على المشهد السياسي والاجتماعي. في حين يرى بعض المحللين أن بهجلي يختلف مع أردوغان في اعتقال رؤساء بلديات، مثل أكرم إمام أوغلو، بدعوى الصلة بحزب العمال الكردستاني، حيث يرى أن ذلك يضر بعملية السلام الكردي التي أطلقها مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان.
تفاصيل الحملة القضائية
الحملة، التي بدأتها السلطات أواخر عام 2024 تحت شعار مكافحة الفساد والإرهاب، أسفرت حتى الآن عن اعتقال 17 رئيس بلدية من حزب الشعب الجمهوري، بينهم رؤساء بلديات كبرى مثل إسطنبول، وأضنة، وأنطاليا، وأديامان، واحتجاز مئات المسؤولين البلديين في مناطق مختلفة، وتوجيه اتهامات تشمل الفساد المالي، إساءة استخدام المنصب، والارتباط بمنظمات محظورة.
الحكومة تبرر هذه الإجراءات بوجود صلات مزعومة بين بعض الإدارات المحلية وحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف إرهابياً لدى أنقرة وحلفائها الغربيين، إلى جانب شبهات فساد في تحقيقات سابقة.
ملف إمام أوغلو في قلب العاصفة
الهدف الأبرز لهذه الحملة هو أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول وأبرز خصوم أردوغان انتخابياً، حيث اعتقل في مارس/آذار 2025 بتهم فساد وإرهاب، بعد أيام من قرار المجلس الأعلى للانتخابات إلغاء شهادته الجامعية، مما منعه من الترشح للرئاسة، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات حاشدة في مدن كبرى، وُصفت بأنها الأكبر منذ احتجاجات “حديقة غيزي” عام 2013، من حيث الحجم والزخم.
موقف المعارضة والمجتمع الدولي
يرفض حزب الشعب الجمهوري الاتهامات ويصفها بأنها سياسية تهدف لإقصاء المنتخبين الشرعيين وتعيين أوصياء حكوميين في معاقل المعارضة؛ في حين أعربت منظمات حقوقية ودول غربية عن قلقها من تراجع المعايير الديمقراطية في تركيا، محذرة من تأثير هذه الممارسات على الحريات السياسية.
تطورات سياقية أخيرة
استمرت التظاهرات الليلية في إسطنبول وأنقرة، مع دعوات لعصيان مدني محدود، كما ارتفعت وتيرة الإدانات الدولية، حيث دعت مؤسسات أوروبية أنقرة لاحترام نتائج الانتخابات المحلية، وظهرت مؤشرات على انقسام في الرأي العام التركي بين مؤيد للنهج الأمني بدعوى مكافحة الفساد، ورافض يراه وسيلة لتصفية الخصوم.

