نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تقريرا، نقلا عن مسؤول أمريكي، اتهمت فيه تركيا بالتورط في خرق العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، مما أدى إلى تساؤلات حول ما إذا كانت إدارة دونالد ترامب الجديدة ترغب في استغلال الملف لممارسة الضغوط على حكومة رجب طيب أردوغان لتخضع للسياسات الأمريكية في المنطقة.
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير خاص عن تورط إبراهيم كالين، رئيس جهاز الاستخبارات التركي الحالي، في قضية تتعلق بغسيل الأموال والاحتيال المصرفي، ما يعكس أبعادًا جديدة للعلاقات التركية-الأمريكية ويشير إلى وجود ضغوط دبلوماسية محتملة على أنقرة.
الخلفية الاقتصادية والسياسية للملف
شهدت تركيا، قبيل انتخابات 2023، تحديات اقتصادية كبيرة أبرزها انخفاض قيمة الليرة التركية ونقص احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي. وفي هذا السياق، قدمت روسيا دعمًا ماليًا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال تأجيل سداد ديون الغاز الطبيعي التي بلغت 20 مليار دولار، فضلًا عن ضخ 5 مليارات دولار لمشروع محطة “أكويو” النووية في مدينة مرسين، مما ساهم في استقرار الليرة مؤقتًا.
وفقًا للتقرير، فإن روسيا استغلت الحاجة التركية للتمويل من أجل تنفيذ عمليات مالية تهدف إلى الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على موسكو عقب غزوها لأوكرانيا عام 2022. وكانت الخطة تتمثل في تحويل 9 مليارات دولار عبر “غازبروم بنك” الروسي إلى حسابات في “بنك الزراعة” التركي بحجة تمويل مشروع المحطة النووية المذكور، لكن في الواقع، تم استخدام هذه الأموال لإجراء تحويلات أخرى إلى شركات روسية، مما منح موسكو سيولة نقدية بالدولار لتجاوز العقوبات الغربية.
التدخل الأمريكي وتعليق القضية
نظرًا لأن التحويلات المالية بالدولار تمر عبر البنوك الأمريكية، فقد لفتت هذه العمليات انتباه وزارة العدل الأمريكية، مما دفع إدارة الرئيس جو بايدن إلى التدخل لمنع استكمال الصفقة. وبحسب الصحيفة، فقد تمكنت السلطات الأمريكية من تجميد 2 مليار دولار في بنك “جي بي مورغان”، بينما كان قد تم بالفعل تحويل 5 مليارات دولار إلى الحسابات التركية قبل التدخل الأمريكي.
في عام 2023، طلبت وزارة العدل الأمريكية إذنًا من البيت الأبيض لمصادرة الأموال المجمدة باعتبارها ناتجة عن عمليات غسيل أموال وانتهاك للعقوبات، لكن إدارة بايدن قررت تعليق القضية لتجنب توتر العلاقات مع تركيا، الحليف الاستراتيجي ضمن حلف الناتو.
إبراهيم كالين في قلب العاصفة
أحد أكثر الجوانب المثيرة في التقرير هو الكشف عن تورط شخصيات تركية بارزة، وعلى رأسها إبراهيم كالين، الذي كان حينها يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم الرئاسة ومستشار الشؤون الخارجية لأردوغان. كما ورد اسم وزير المالية السابق نور الدين نباتي ضمن المتهمين الرئيسيين في القضية.
في حين أن كالين يشغل الآن منصب رئيس جهاز الاستخبارات التركي، مما يمنحه حصانة سياسية قوية، إلا أن مستقبله قد يكون مهددًا إذا فقد منصبه، إذ يمكن أن تعيد واشنطن إحياء القضية مجددًا حال انتهاء نفوذه السياسي.
الرسائل السياسية وراء التسريب
يرى مراقبون أن نشر مثل هذه التقارير في وسائل إعلام أمريكية مرموقة ليس مجرد مصادفة، بل يحمل رسائل سياسية موجهة إلى القيادة التركية. فقد سبق أن استخدمت واشنطن قضايا قانونية، مثل قضية “بنك خلق” المتهم بخرق العقوبات الأمريكية والأممية على إيران، للضغط على أنقرة في ملفات حساسة تتعلق بعلاقاتها مع روسيا، وإسرائيل، والأكراد في سوريا.
ويبدو أن هذه التسريبات قد تكون بمثابة تحذير غير مباشر إلى إبراهيم كالين، وربما إلى الرئيس أردوغان نفسه، لإعادة النظر في بعض التوجهات السياسية، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات مع موسكو والتوازنات الإقليمية الأخرى.
هل ستستمر القضية؟
مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، يطرح التسريب تساؤلات حول مصير هذا الملف؛ فرغم اختلاف نهج ترامب عن بايدن في التعامل مع روسيا وتركيا، إلا أن مسؤولين أمريكيين أكدوا للصحيفة أن واشنطن ستواصل فرض رقابة صارمة على العقوبات المفروضة على موسكو، مما يعني أن هذا الملف قد يبقى ورقة ضغط محتملة في المستقبل.
يبدو أن قضية التحويلات المالية الروسية عبر تركيا لن تكون مجرد حادثة اقتصادية عابرة، بل قد تتحول إلى أداة ضغط دبلوماسي تستخدمها وفقًا لتطورات السياسة الدولية. ويبقى السؤال: كيف ستتعامل أنقرة مع هذا التحدي الجديد، وما هي الخطوات التي قد يتخذها إبراهيم كالين للحفاظ على موقعه السياسي في ظل هذه العاصفة المحتملة؟