تقرير: ياوز أجار
في تحليلٍ مفصّل عبر قناته على يوتيوب، تناول الكاتب والصحفي التركي في المنفى طارق توروس التصعيد الأخير في التوتر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك “توسياد”.
طارق توروس، كاتب صحفية “بوجون” التركية التي فرضت الحكومة عليها وصاية في 2015، ثم أغلقتها بعد محاولة الانقلاب في 2016، سلط الضوء على أبعاد الصراع بين أردوغان وتوسياد، وأسبابه المحتملة، متناولًا أداء المعارضة ودور القطاع الاقتصادي في المشهد السياسي الحالي.
المعارضة التركية بين العجز والتردد
طرح توروس تساؤلًا جوهريًا: “لماذا لا تتحرك المعارضة بفاعلية أكبر؟” مؤكدا أن النقد الصحفي يجب أن يكون متجردًا، بحيث لا تُستثنى المعارضة من المساءلة، تمامًا كما يحدث مع الحكومة. ثم أشار إلى أن المعارضة لم تقم بأي خطوات تصعيدية حقيقية، مثل تعليق حضورها لجلسات البرلمان لمدة شهر واحد فقط لاختبار رد الفعل، معتبرًا أن ذلك وحده كافٍ لزعزعة التوازنات السياسية، لكنه ليس حتى مطروحًا على الطاولة.
أبرز توروس التناقض الواضح في مواقف حزب الشعب الجمهوري (CHP)؛ فبينما يرفع زعيم الحزب أوزغور أوزَل بطاقة حمراء في وجه الحكومة في التجمعات الشعبية، تتخذ المجالس البلدية التابعة للحزب قرارات مشتركة مع الحكومة، كما حدث في أنقرة حيث تم تمرير 174 قرارًا بتوافق كامل بين الحزبين، دون أن يثير ذلك أي جدل يُذكر في الإعلامي المصنف “معارضًا”.
توسياد.. تحذير متأخر أم محاولة لحماية المصالح؟
وصف توروس التفاف الأنظار نحو موقف “توسياد” الأخير على أنه تعبير عن انعدام الثقة في المؤسسات الديمقراطية التقليدية. ولفت إلى أن دور الجمعية في الدفاع عن الديمقراطية مشكوك فيه تاريخيًا، خاصة أنها لم تتحرك عندما صودرت أملاك كبار رجال الأعمال بحجة ارتباطهم بحركة الخدمة، مثل مجموعة “بويداك” التي تم الاستيلاء عليها دون أي اعتراض جدي من “توسياد”، بل بتصفيق ضمني منها.
في اجتماعها الأخير، ألقى رئيس مجلسها الاستشاري الأعلى، عمر أراس، خطابًا شدد فيه على ضرورة سيادة القانون، واستقلال القضاء، والحوكمة الرشيدة لضمان استقرار الاقتصاد والمجتمع. لكن توروس رأى أن هذه المبادئ لم تكن في مقدمة اهتمامات الجمعية عندما بدأ النظام في تصفية خصومه السياسيين والاستيلاء على الشركات الكبرى منذ عام 2013 حيث طفت إلى السطح فضائح الفساد الحكومية.
لماذا تتحدث “توسياد” الآن؟
طرح توروس تساؤلًا جوهريًا: “لماذا رفعت “توسياد” صوتها الآن تحديدًا؟ مستعرضًا فرضيتين رئيسيتين:
- الاقتصاد في أزمة حادة: ربما باتت الأوضاع الاقتصادية على شفا انهيار، وهو ما دفع كبار رجال الأعمال إلى دق ناقوس الخطر.
- تهديدات مباشرة لأملاكهم: هناك مخاوف من أن الحكومة تخطط للاستيلاء على شركات معينة من خلال استخدام الوصاية القضائية، كما فعلت سابقًا مع مئات الشركات التي تديرها الآن هيئة تأمين الودائع (TMSF).
وأردف الكاتب أن “توسياد” تدرك أن الحكومة باتت تملك السلطة الكاملة على 753 شركة، بينها 618 شركة تحت الوصاية الكاملة و62 تحت الرقابة الجزئية، ما يجعل التهديدات بتحركات جديدة ضد القطاع الخاص أمرًا جديًا. لكن هل يجدي نفعًا رفع توسياد عقيرتها بعد صمت دام أكثر من عقد على ما تعرضت له شقيقاتها من المؤسسات الاقتصادية الأخرى على يد النظام، مثل اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال (توسكون) المحسوبة على حركة كولن؟
ما الذي سيحدث بعد ذلك؟
واصل توروس أن “توسياد” ليست في موقع القوة، فقد فقدت نفوذها المالي والسياسي تدريجيًا، وأصبحت خاضعة لسياسات الحكومة التي كانت تتجنب المواجهة معها حتى الآن. لكن يبدو أن أردوغان قرر قلب الطاولة، مما أجبر الجمعية على اتخاذ موقف دفاعي.
غير أن توروس يرى أن هذه الخطوة ليست “إنذارًا” للحكومة بقدر ما هي محاولة استباقية لحماية المصالح قبل فوات الأوان. فالنظام لديه خيارات عدة، إما أن يواصل تصعيده ضد القطاع الخاص أو أن يتراجع تكتيكيًا لإعادة ترتيب أوراقه. وفي كل الأحوال، لن يجد رجال الأعمال من يهبّ لنجدتهم إذا استمرت المواجهة، إذ لا يوجد اليوم تيار سياسي قادر على حماية القطاع الاقتصادي من تغوّل السلطة.
موقف “توسياد” ليس تحديًا للنظام بل استشعارًا بالخطر، وهي خطوة متأخرة بعد سنوات من الصمت والتواطؤ مع سياسات السلطة. الأيام القادمة ستكشف ما إذا كانت هذه المواجهة مجرد سحابة صيف أم بداية لمرحلة جديدة في العلاقة بين أردوغان والقطاع الخاص في تركيا.

