تزايدت التوترات في شمال سوريا مع تهديد تركيا بشن عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) في حال عدم قبولها بشروط أنقرة لتحقيق “انتقال سلس ودون إراقة دماء” بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد.
جاء هذا التصعيد على لسان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال مقابلة مع قناة “سي إن إن ترك”، حيث أكد أن أنقرة ستقوم بـ”ما هو ضروري” إذا لم تستجب الوحدات الكردية لمطالب تركيا، ملمحًا إلى احتمال تدخل عسكري جديد.
خلفية التهديدات التركية
شهدت سوريا تغييرات جذرية الشهر الماضي بعد سقوط نظام الأسد على أيدي جماعات متمردة بقيادة إسلاميين، مما زاد احتمالية تدخل تركيا المباشر ضد القوات الكردية المتهمة بعلاقتها بحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية من قبل أنقرة وحلفائها الغربيين.
تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب (YPG)، التي تحظى بدعم غربي كبير لدورها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، الذي خاض تمردًا طويل الأمد ضد الدولة التركية.
شروط أنقرة للتجنب العسكري
أوضح وزير الخارجية التركي أن شروط أنقرة لتحقيق انتقال سلس تشمل انسحاب المقاتلين الأجانب الذين قدموا من تركيا وإيران والعراق، قائلًا: “هؤلاء المقاتلون يجب أن يغادروا سوريا فورًا. نحن ننتظر خطوات واضحة في هذا الاتجاه ولم نرَ أي نوايا حتى الآن”.
كما أشار إلى أن “الإنذار الذي وجهته تركيا للوحدات الكردية عبر الولايات المتحدة واضح”، في إشارة إلى مطالب محددة تتعلق بإخراج قيادة حزب العمال الكردستاني من سوريا، وتفكيك وحدات حماية الشعب، ودمج عناصرها في النظام الجديد.
التدخلات التركية السابقة والتاريخ العسكري
منذ عام 2016، نفذت تركيا عمليات عسكرية متعددة في سوريا، استهدفت خلالها المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، بما في ذلك عفرين، ورأس العين (رأس العین)، وتل أبيض. وأكد وزير الخارجية أن تركيا لن تتردد في تكرار هذه العمليات إذا استدعت الضرورة الأمنية الوطنية، قائلًا: “هذا ما يتطلبه أمننا القومي. ليس لدينا أي خيار آخر”.
دور القيادة السورية الجديدة
من جانبه، دعا أحمد الشراع، القائد الجديد لسوريا والمقرب من تركيا، خلال مقابلة مع قناة “العربية”، إلى دمج القوات الكردية في الجيش الوطني السوري الجديد. وفي هذا السياق، التقى هاكان فيدان بالشراع في دمشق الشهر الماضي، حيث شدد على أهمية معالجة قضية الوحدات الكردية.
وأوضح فيدان أن الإدارة الجديدة في دمشق قادرة على مواجهة الوحدات الكردية إذا لم تقبل بالاندماج أو تسليم أسلحتها، مشيرًا إلى أن “الإدارة في دمشق ليست ممن يخشون الحرب، فقد استولت على العاصمة بالقوة العسكرية”.
وأضاف: “إذا كانت هناك رغبة في تجنب أي عملية عسكرية، سواء من جانبنا أو من الإدارة الجديدة في سوريا، فإن الشروط واضحة”.
التوترات الميدانية والمعارك الدائرة
تشير التقارير إلى مقتل أكثر من 100 مقاتل خلال الأيام الماضية في اشتباكات بين الفصائل المدعومة من تركيا والقوات الكردية في شمال سوريا، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وازدادت حدة هذه المعارك بالتزامن مع الهجوم الذي شنته الفصائل الإسلامية على النظام السوري في 27 نوفمبر، والذي أدى إلى سقوط الأسد بعد 11 يومًا فقط.
إدارة المعتقلين والتهديدات الأمنية
على صعيد آخر، أبدت تركيا استعدادها لإدارة السجون والمعسكرات التي تحتجز عناصر داعش في سوريا في حال عدم قدرة القيادة الجديدة على تحمل هذا العبء. وأكد فيدان أن الرئيس التركي أصدر تعليماته لضمان السيطرة على هذه المعسكرات إذا لزم الأمر، مضيفًا: “تركيا جاهزة للقيام بهذه المهمة بجيشها إذا لم يستطع الآخرون”.
تشكل هذه التوترات المتصاعدة في شمال سوريا اختبارًا كبيرًا للعلاقات الإقليمية والدولية، لا سيما مع استمرار الخلاف بين أنقرة وواشنطن بشأن دعم الأخيرة للقوات الكردية.