أسدلت محكمة التمييز العليا في تركيا الستار على محاكمة نشطاء حقوق الإنسان التي استمرت لثماني سنوات، وذلك بتأييدها قرار تبرئة آخر المتهمين في القضية المتعلقة بالإرهاب، مما أنهى المسار القضائي المطول الذي واجهه هؤلاء النشطاء.
خلفية القضية: استهداف نشطاء حقوق الإنسان باتهامات بالإرهاب
تعود القضية إلى عام 2017، عندما تم اعتقال 11 مدافعًا عن حقوق الإنسان عقب مشاركتهم في سلسلة اجتماعات عقدت في جزيرة “بويوكادا” بإسطنبول، حيث وُجهت إليهم اتهامات بالإرهاب. ومن بين المعتقلين تانر قيليج وإيديل إيسر من منظمة العفو الدولية في تركيا، وغونال كُرشون وولي أكو من جمعية “أجندة حقوق الإنسان”، وأوزلم دالكيران ونالان إيركَم من منظمة “مجلس المواطنين”، إلى جانب علي غَراوي، الكاتب المسرحي والتقني الإيراني السويدي، وبيتر شتودتنَر، الناشط الألماني في مجال حقوق الإنسان وصانع الأفلام الوثائقية، ونجات طاشتان من جمعية مراقبة الحقوق المتساوية، وشهموس أوزبَكلي من مبادرة الحقوق، وإلكنور أُستُن من ائتلاف المرأة.
وقد اتهمت السلطات التركية هؤلاء النشطاء بتدبير مؤامرة ضد الحكومة التركية، بعدما زعم الرئيس رجب طيب أردوغان أن الاجتماعات التي حضروها كانت تهدف إلى التخطيط لاستمرار محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو 2016.
أحكام الإدانة الأولية وبدء مسار الطعون
في يوليو 2020، قضت المحكمة الجنائية العليا الخامسة والثلاثون في إسطنبول بإدانة تانر قيليج بتهمة “الانتماء إلى منظمة إرهابية”، وحكمت عليه بالسجن لأكثر من ست سنوات. كما تمت إدانة كل من أوزلم دالكيران وإيديل إيسر وغونال كُرشون بتهمة “دعم منظمة إرهابية عن علم وإرادة”، وحُكم عليهم بالسجن لمدة 25 شهرًا لكل منهم، بينما تم تبرئة السبعة الآخرين.
إلا أن محكمة التمييز، في قرار صدر في نوفمبر 2022، ألغت أحكام الإدانة بحق دالكيران وإيسر وكُرشون، مؤكدةً ضرورة تبرئتهم. أما قضية تانر قيليج، فقد أُعيدت إلى محكمة الدرجة الأولى بسبب “عدم اكتمال التحقيق”.
إعادة المحاكمة وانتهاء القضية بقرار نهائي
في يونيو 2023، وبعد إعادة المحاكمة، أصدرت المحكمة الجنائية العليا في إسطنبول حكمًا بتبرئة جميع المتهمين، إلا أن الادعاء العام طعن في قرار تبرئة قيليج، مما دفع بالقضية مجددًا إلى محكمة التمييز.
ورفضت الدائرة الجنائية الثالثة بمحكمة التمييز العليا اعتراض الادعاء وأيدت تبرئة قيليج، لتُغلق بذلك القضية نهائيًا، ويُعلن عن براءة جميع النشطاء الأحد عشر بعد معركة قضائية استمرت ثماني سنوات.
السياق الحقوقي: تركيا ضمن الدول “غير الحرة” عالميًا
تأتي هذه التطورات وسط استمرار الانتقادات الدولية لوضع الحريات وحقوق الإنسان في تركيا. فوفقًا لتقرير “الحرية في العالم 2024” الصادر عن منظمة فريدوم هاوس الأمريكية، لا تزال تركيا تصنَّف ضمن فئة الدول “غير الحرة”، بحصولها على 33 نقطة من أصل 100، مما يضعها في نفس الفئة مع روسيا والصين وإيران.
ويُقيّم التقرير الدول بناءً على 10 مؤشرات للحقوق السياسية و15 مؤشرًا للحريات المدنية، تشمل التعددية السياسية، والمشاركة السياسية، وحرية التعبير والمعتقد، وسيادة القانون، والحقوق الفردية، وهو ما يعكس تدهور المشهد الحقوقي في البلاد، رغم بعض الانفراجات القضائية كالقضية الحالية.
انتصار قضائي محدود أم مؤشر على تغيير؟
يرى مراقبون أن هذا الحكم النهائي يمثل انتصارًا قضائيًا للنشطاء الحقوقيين، إلا أنه لا يعني بالضرورة تحسنًا جوهريًا في البيئة الحقوقية في تركيا، حيث لا تزال المحاكمات ذات الدوافع السياسية تُستخدم كأداة للضغط على المجتمع المدني. ومع استمرار تصنيف البلاد ضمن الدول غير الحرة، يتساءل المراقبون عن مدى إمكانية تحقيق إصلاحات أعمق تضمن استقلالية القضاء وحماية الحريات الأساسية.

