أطلقت مجموعات من المعارضة السورية “هجومًا محدودًا” نحو حلب لوقف الهجمات التي يشنها النظام السوري ضد السكان المدنيين في إدلب، وفقًا لما نقلته مصادر أمنية تركية لموقع “ميدل إيست آي” يوم الخميس.
منذ يوم الأربعاء، أظهرت لقطات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي تقدمًا كبيرًا لمقاتلي هيئة تحرير الشام والقوات المتحالفة معها، حيث تمكنوا من السيطرة على مساحات واسعة والتقدم سريعًا نحو أطراف مدينة حلب.
وقد انضمت بعض الفصائل المرتبطة بـ”الجيش الوطني السوري”، المدعوم من تركيا، إلى العملية، رغم أن الغالبية العظمى من هذه القوات لم تشارك بعد.
وصرح مصدر أمني تركي بارز لموقع ميدل إيست آي بأن تركيا تسعى لمنع هذا الهجوم لتجنب تصعيد التوترات في المنطقة، خصوصًا في ظل الحروب الدائرة في غزة ولبنان. ومع ذلك، لم تُثمر الجهود المبذولة من خلال قنوات الاتفاق الذي أُبرم عام 2019 لخفض التصعيد عن وقف الغارات الجوية الروسية والسورية على المناطق السكنية في محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة.
وأضاف المصدر: “ردًا على هذه الهجمات، شنت جماعات المعارضة السورية عملية محدودة نحو حلب، مستهدفة المناطق التي تنطلق منها تلك الهجمات”، وأشار إلى أن ما بدأ كعملية محدودة توسع مع بدء قوات النظام بالفرار من مواقعها.
معركة شرق إدلب
وأوضح المصدر أن العملية تهدف إلى استعادة حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب، المتفق عليها في الأصل بين روسيا وتركيا وإيران عام 2019.
وأشار إلى أن الهجمات الروسية وهجمات النظام السوري قلصت هذه المنطقة بعد أن استولت قوات موالية للرئيس السوري بشار الأسد، بما في ذلك ميليشيات حزب الله والجماعات المدعومة من إيران، على مزيد من المناطق قرب حلب في عام 2020 في انتهاك للاتفاق.
وتسعى العملية الجديدة إلى إعادة سيطرة المعارضة على الأجزاء الشرقية من إدلب حتى الحدود المتفق عليها سابقًا.
خلال هجوم النظام السوري بدعم روسي في إدلب عام 2020، قتلت قواته 36 جنديًا تركيًا كانوا منتشرين في شمال سوريا، مما دفع تركيا إلى التدخل عسكريًا لوقف الهجوم، حيث قصفت قوات الأسد بالطائرات المسيرة ودمرت مئات المعدات العسكرية بما في ذلك مركبات مدرعة ودبابات.
وفي وقت سابق من هذا العام، حاولت تركيا إجراء محادثات تطبيع مع حكومة الأسد، لكنها باءت بالفشل بعدما اشترطت دمشق انسحاب القوات التركية بالكامل من شمال سوريا كشرط مسبق.
الأوضاع في إدلب
في إدلب، لا تمارس تركيا سيطرة مباشرة، حيث تحكم هيئة تحرير الشام المنطقة بإدارة مدنية خاصة بها، لكنها تحتفظ بعدة نقاط مراقبة في المنطقة.
وأفادت مصادر تركية بأن أكثر من 30 مدنيًا قُتلوا وأصيب أكثر من 100 آخرين في الهجمات الأخيرة التي شنها النظام السوري والميليشيات المتحالفة معه. من بين القتلى، ثلاثة أطفال لقوا حتفهم في هجوم على مدرسة لتحفيظ القرآن، بينما أصيب العشرات، بعضهم بجروح خطيرة.
معركة حلب السابقة وتبعاتها
كان فقدان المعارضة لمدينة حلب لصالح النظام السوري في ديسمبر 2016 نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية وهزيمة كبيرة للقوات المعارضة. فقد أصبحت المدينة، التي كانت يومًا أكبر مدينة سورية ومركزًا اقتصاديًا، ساحة صراع رئيسية في النزاع.
وقد سيطر النظام السوري، بدعم من القوات الجوية الروسية والميليشيات الإيرانية، على المدينة بعد حصار عنيف قُطعت خلاله الإمدادات عن شرق حلب، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء والأساسيات الأخرى للسكان المدنيين. وبعد محاولات دولية متكررة وفاشلة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وافق المتمردون على إخلاء المدينة في ديسمبر 2016 بموجب اتفاق توسطت فيه تركيا وروسيا، لتنتقل السيطرة إلى قوات الأسد.
لقد عزز سقوط حلب قبضة الأسد على المراكز الحضرية الكبرى وألحق ضربة قاسية بالمعارضة المتشرذمة.
الموقف التركي
كانت تركيا تهدف في البداية إلى الإطاحة بنظام الأسد عندما اندلعت الحرب الأهلية السورية إثر القمع العنيف للاحتجاجات السلمية في 2011، حيث دعمت المتمردين الذين طالبوا برحيله. ومع ذلك، ركزت أنقرة لاحقًا على منع ما وصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2019 بأنه “ممر إرهابي” في شمال سوريا.
واليوم، تسيطر القوات التركية والفصائل السورية المدعومة من تركيا على مساحات واسعة من شمال سوريا، فيما استقبلت تركيا حوالي 3.2 مليون لاجئ سوري، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة.
مواقف الأسد تجاه التطبيع
تعامل الأسد بحذر مع محاولات أردوغان للتطبيع. وفي مقابلة أُجريت معه في يوليو الماضي، أعرب عن استعداده للقاء أردوغان، لكنه ربط ذلك بـ”مضمون اللقاء”، مشيرًا إلى أن وجود تركيا في سوريا يعد عقبة رئيسية. وقال الأسد إن إنهاء تركيا “لدعم الإرهاب” في سوريا وانسحابها من الأراضي السورية سيكونان “نقاط مرجعية” لأي لقاء محتمل.