أعلنت السلطات التركية عن احتجاز 93 شخصاً خلال الأيام العشرة الماضية بتهمة الانتماء لحركة الخدمة التي تستوحي فكر الراحل فتح الله كولن.
جاء الإعلان من وزير الداخلية علي يرليكايا عبر منصة “إكس” يوم السبت، حيث أوضح أن العمليات الأمنية التي أطلق عليها اسم “كماشة-32” استهدفت أفراداً متهمين بالارتباط بالحركة.
وتضمنت التهم الموجهة إلى المعتقلين المشاركة في جهود إعادة تنظيم الحركة بعد محاولة الانقلاب، واستخدام الهواتف العمومية للتواصل مع شخصيات قيادية، وورود أسمائهم في شهادات أو إفادات متهمين آخرين، إضافة إلى استخدام تطبيق المراسلة المشفر “بايلوك”.
ورغم أن “بايلوك” كان تطبيقاً متاحاً للجمهور عبر الإنترنت، إلا أن السلطات التركية تصفه بأنه أداة سرية للتواصل بين أنصار حركة كولن، رغم عدم وجود أدلة تربطه بأي نشاط إرهابي.
وعلى الرغم من قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أواخر عام 2023 الذي اعتبر استخدام التطبيق كدليل على النشاط الإرهابي إجراءً تعسفياً وغير مبرر، تواصل السلطات التركية اعتقال الأفراد ومحاكمتهم على أساس استخدام التطبيق.
وأفادت السلطات التركية تنسيق العمليات الأخيرة من قبل مكاتب النيابة العامة والشرطة، وشملت 27 محافظة تركية، من بينها إسطنبول وأنقرة وإزمير وغازي عنتاب.
ومنذ وفاة فتح الله كولن في أكتوبر الماضي عن عمر يناهز 83 عاماً في أحد مستشفيات الولايات المتحدة، تعهدت الحكومة التركية بتكثيف جهودها لتفكيك ما تصفه بـ”شبكة الحركة”.
من وراء انقلاب تركيا؟
يشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حاول منذ عام 2013، حيث طفت فضائح الفساد والرشوة لابنه بلال وأبناء أربعة وزراء إلى السطح، إعلان حركة الخدمة تنظيما إرهابيا، لكنه لم يتمكن من ذلك إلا بعد وقوع “الانقلاب الفاشل” في 2016، حيث اتهمها بالوقوف وراء هذا التحرك، وشرع في تضييق الخناق على كل من له أدنى صلة بها، في الداخل والخارج، مما أسفر عن مقتل عديد منهم، واعتقال عشرات الآلاف رجالا ونساء، واختطاف قسم منهم من خارج البلاد.
في حين نفت الحركة أي علاقة لها بمحاولة الانقلاب، ودعت أردوغان لتشكيل لجنة دولية لتقصي حقائق ما حدث في ليلة “الانقلاب الفاشل”، إلا أن الأخير لم يستجب لهذه الدعوة حتى اليوم.
واعتبرت حركة كولن أحداث ليلة الانقلاب الفاشل من قبيل عمليات الراية المُزيفة (false flag) يقف وراءها أردوغان نفسه لينجح في وصم الحركة بالإرهابية بعد أن فشل في ذلك، وتصفية الجنرالات المعارضين لمشاريعه العسكرية في سوريا وعموم المنطقة، بحسب رأيها.
مصطلح “الراية المزيفة” يُستخدم لوصف عمليات سرية تُنفذها جهة معينة بحيث يتم إخفاء الهوية الحقيقية للمنفذين وتوجيه التهمة لمجموعة أو دولة أخرى، بهدف خلق انطباع بأن الطرف الذي تم اتهامه زورًا هو من قام بالعمل، وذلك لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية أو استخباراتية. تُستخدم هذه الاستراتيجية في الغالب للتأثير على الرأي العام أو لتبرير أفعال وعمليات معينة لا يسمح لها الدستور والقوانين ولا يسوغها الجمهور في العادة.
وكان أردوغان قال صراحة عقب إعلانه حالة الطوارئ في البلاد بعد أسبوع من إحباط ما سمي بمحاولة الانقلاب الفاشلة بدعوى التصدي لـ”الانقلابيين”: “لقد حصلنا في ظل حالة الطوارئ على القدرة والإمكان من أجل تنفيذ كثير من الإجراءات التي لا يمكن أن نجريها في الظروف والأوقات العادية”، على حد قوله.
غير أن تهمة الإرهاب والانقلاب التي توجهها الحكومة التركية للحركة لا تحظئ بدعم واسع من الدول الأخرى، فيما أعربت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والهيئات التابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان عن قلقها من استخدام هذه الاتهامات لتبرير حملات القمع ضد كل المعارضة.
وتصاعدت الحملات ضد الحركة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، حيث أعلنت الحكومة حالة الطوارئ وشنّت حملة تطهير واسعة في مؤسسات الدولة بذريعة مكافحة الانقلاب. وأدى ذلك إلى فصل أكثر من 130,000 موظف حكومي و24,706 أفراد من القوات المسلحة بقرارات طوارئ لم تخضع لأي رقابة قضائية أو برلمانية.
ومنذ ذلك الحين، تم التحقيق مع أكثر من 705,172 شخصاً بتهم تتعلق بالإرهاب أو محاولة الانقلاب بسبب صلات مزعومة بالحركة. ويوجد حالياً ما لا يقل عن 13,251 شخصاً في السجون، إما قيد الاحتجاز الاحتياطي أو مدانين بتهم تتعلق بالإرهاب في قضايا مرتبطة بالحركة.
وخلال الفترة ما بين يونيو 2023 ويونيو 2024، نفذت السلطات التركية 5,543 عملية أمنية، أسفرت عن اعتقال 1,595 شخصاً على صلة بالحركة. وإلى جانب سجن الآلاف، اضطر عدد كبير من أتباع الحركة إلى مغادرة تركيا هرباً من حملة القمع الحكومية.