أعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا عن اعتقال 361 شخصاً في عمليات أمنية نُفذت على مدى الأسبوعين الماضيين في إطار ما وصفه بـ”تصعيد الحملة” ضد ما تبقى مما سماه هيكل حركة الخدمة التي تستقي من فكر الراحل فتح الله كولن.
العمليات شملت 46 ولاية تركية، من بينها إسطنبول وأنقرة وإزمير، حيث نُفذت مداهمات متزامنة طالت من يُشتبه بانتمائهم إلى إلى الحركة، وفقاً لما نشره الوزير على منصة “إكس” (تويتر سابقاً).
استهداف المؤسسة العسكرية والهيئات المالية والتعليمية
وبحسب البيان، فإن المعتقلين متهمون بالانخراط في أنشطة للحركة، بمن يشمل موظفين في المؤسسات العسكرية والمالية والتعليمية التابعة.
وتأتي هذه الاعتقالات في سياق سلسلة طويلة من الحملات التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، والتي حملت أنقرة مسؤوليتها للحركة، رغم النفي المتكرر من قبل الحركة وملهمها، الذي توفي في أكتوبر 2024 بعد سنوات من الإقامة في الولايات المتحدة، حيث استقر فيها عقب “انقلاب 1997 الناعم” الذي نفذه جنرالات “تنظيم أرجنكون”، والذي كانت الحركة من أهدافه الرئيسية.
“بايلوك” والهاتف العمومي: أدلة مثيرة للجدل
يرلي كايا أشار إلى أن بعض الموقوفين استخدموا تطبيق “بايلوك”، وهو برنامج مراسلة مشفّر كان متاحاً بشكل علني على متاجر التطبيقات، وزُعم أنه استخدم من قبل أعضاء الحركة.
كما أُدرج ضمن الأدلة استخدام الهواتف العمومية للتواصل مع قيادات الحركة، إضافة إلى نشاط إعلامي على منصات التواصل الاجتماعي.
غير أن المنتقدين يشيرون إلى أن هذه “التحقيقات عبر الهواتف العمومية” تعتمد على سجل المكالمات فقط وليس محتواها، مما يجعل الاتهام قائماً على مبدأ “الذنب بالقرابة الزمنية”، أي أن المتصلين قبل أو بعد شخص مشتبه به يُعاملون كمشتبه بهم أيضاً.
أرقام ضخمة منذ محاولة الانقلاب
ووفقاً لتصريحات وزير العدل التركي، يلماز تونتش، فقد جرى التحقيق مع أكثر من 705,000 شخص منذ عام 2016 بتهمة الانتماء إلى حركة كولن، فيما بلغ عدد المعتقلين والمحكومين حتى يوليو 2023 ما لا يقل عن 13,251 شخصاً، وهي أرقام يُعتقد أنها ارتفعت خلال الأشهر العشرة الأخيرة مع استمرار الحملات الموسعة.
الرئيس رجب طيب أردوغان وعدة وزراء أشاروا إلى أن “وفاة كولن لن تؤدي إلى تراخٍ في الحرب ضد الحركة”، في إشارة إلى استمرار العقيدة الأمنية نفسها رغم غياب الزعيم الروحي للحركة.
خلفية: من الشراكة إلى التصنيف الإرهابي
تجدر الإشارة إلى أن حركة كولن – التي كانت توصف سابقاً بـ”شريك الحكومة” في ملفات التعليم والحوار بين الأديان – صُنفت كمنظمة إرهابية من قبل الحكومة التركية منذ مايو 2016، بعد حملة شيطنة إعلامية استمرت نحو ثلاث سنوات. غير أن هذا التصنيف لم يُعترف به من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو منظمات دولية كبرى، مما زاد من تعقيد المقاربة التركية في تبرير الاعتقالات الواسعة.
وقد شملت الحملة إقالة نحو 130 ألف موظف حكومي و24 ألف عسكري، بينهم ضباط كبار، في واحدة من أوسع موجات التطهير التي عرفتها المؤسسات التركية.
انتقادات حقوقية متواصلة
منظمات حقوق الإنسان والمراقبون الدوليون ما زالوا يوجهون انتقادات حادة للسلطات التركية بشأن شمولية الحملة، التي تُتهم بأنها تتجاوز ملاحقة الانقلابيين المزعومين إلى قمع المعارضة السياسية والمدنية.
منظمات حقوق الإنسان الدولية والداخلية حذّرت مراراً من اتساع رقعة القمع تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”، حيث طالت التدابير العقابية عشرات الآلاف من الموظفين والضباط والأكاديميين والمعلمين، في حالات كثيرة دون محاكمات عادلة أو أدلة مباشرة، بل أحياناً بناءً على كتب قرأوها، أو مدارس التحق بها أبناؤهم، أو حسابات بنكية في مؤسسات مرخصة حينها من الدولة نفسها.
من جانبهم، يصف أنصار حركة “الخدمة” هذه الحملات بأنها “تصفية سياسية شاملة” تهدف إلى إقصاء الأصوات المستقلة وترسيخ السلطة التنفيذية دون ضوابط.

