أعلنت السلطات التركية فتح تحقيق عاجل بحق رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، على خلفية تصريحاته التي أطلقها خلال مشاركته في أحد البرامج، حيث انتقد بشدة المدعي العام في إسطنبول، أكين غورلك، بسبب إجراءاته المتعلقة بالتحقيق مع رئيس شبيبة حزب الشعب الجمهوري، جيم أيدين.
تصريحات إمام أوغلو المثيرة للجدل
وجّه إمام أوغلو خلال كلمته انتقادات لاذعة لأكين غورلك، قائلاً: “إنك تستدعي جيم أيدين للتحقيق وتقتحم منزله. هدفك هو تخويف الشعب. أقول لك أيها المدعي العام، سنقتلع العقلية التي تديرك من وجدان هذه الأمة، حتى لا تتعرض عائلتك وأبناؤك لمثل هذه المعاملات”.
واعتبر مراقبون تصريحات إمام أوغلو تهديدا موجهًا إلى أردوغان وأفراد عائلته الذين سبق أن واجهوا اتهامات بممارسة الفساد في عام 2013.
وأضاف إمام أوغلو أن القضية ليست مجرد شأن شخصي أو حزبي، بل قضية بقاء تتعلق بالديمقراطية وسيادة القانون في تركيا.
انتقادات للنظام القضائي وتسييس القضاء
شارك إمام أوغلو في ندوة بعنوان “القانون الحديث وتسييس القضاء” نظمتها مؤسسة سياسات الدولة، بحضور رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل. وفي كلمته، قدم إمام أوغلو رؤية واسعة حول وضع القضاء والسياسة في تركيا.
قال إمام أوغلو “تسييس القضاء لا يضر فقط بالأفراد، بل يهدد وجود الدولة نفسها. القضاء المستقل هو القوة الوحيدة التي تمنع الحكومات من إساءة استخدام سلطتها. تحويل القضاء إلى أداة لخدمة مصالح شخص واحد يعني انهيار دولة القانون. المؤسسات تبدأ في الانهيار، وهذا ما نشهده في تركيا اليوم.”
واصل إمام أوغلو: “النظام الحالي الذي يدّعي أنه الممثل الوحيد للإرادة الوطنية ليس له مكان في العالم الحديث. هذا النموذج يقوض ثقة الشعب ويضعف أسس الديمقراطية لكن الشعب سيزيل هذا النظام من سجل تاريخ الجمهورية التركية. هذا ليس خياراً بل ضرورة لإنقاذ مستقبل البلاد.”
انتقادات لسياسات الضغط والترهيب
أشار إمام أوغلو إلى أن استخدام أساليب مثل المداهمات واستدعاء الشخصيات السياسية والشبابية للتحقيق يهدف إلى بث الخوف بين الناس. وأوضح قائلاً: “اليوم تستهدفون السياسيين، وغداً ستستهدفون رجال الأعمال. لا أحد يظن أنه بمنأى عن هذه الإجراءات.”
وأضاف أن هذه الممارسات تعكس فساد النظام وتهديده لمستقبل البلاد: “القضاء الذي لا يمكنه مراقبة السلطة يؤدي حتماً إلى الفساد والانهيار. هذه ليست مشكلة اليوم فقط بل مشكلة أجيالنا القادمة.”
رؤية للتغيير وإعادة بناء الديمقراطية
أكد إمام أوغلو أن تركيا لديها القدرة على بناء دولة قانون حقيقية وديمقراطية قوية إذا تم تحرير القضاء من سيطرة السلطة السياسية، داعيا الشعب إلى التكاتف لمواجهة التحديات الراهنة التي تمثل تهديداً لبقاء الديمقراطية.
تحذير “داخلي” لأردوغان من خطوة مرتجلة ضد إمام أوغلو
وكان النائب السابق في حزب العدالة والتنمية وعضو المجلس المركزي لاتخاذ القرار شامل طيار، حذر من أن أي تحرك ضد أكرم إمام أوغلو يجب أن يستند إلى أسس قانونية صلبة، وإلا فقد يؤدي إلى نتائج عكسية، في إطار تعليقه على العملية الأخيرة التي شهدت اعتقال رئيس بلدية بشكتاش، رضا أكبولات التابع لحزب الشعب الجمهوري، بتهم اعتبرتها المعارضة “سياسية”.
وأشار طيار إلى أن تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان حول عملية الاعتقال المذكورة بأنه “ما زال في الجعبة المزيد” قد تكون إشارة إلى عملية قادمة ضد رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي يعتبر من أقوى خصومه في السباق الرئاسي القادم.
“إمام أوغلو قد يكون الهدف التالي“
صرح طيار قائلاً: “عندما ننظر إلى التصريحات بالطريقة التي فهمها الرأي العام، يبدو أن أول ما يتبادر إلى الذهن هو إمام أوغلو. السؤال الآن هو: هل سيتم فتح تحقيق جديد ضد إمام أوغلو؟ أم سيتم تسريع القضية السابقة المعلقة في محكمة الاستئناف؟ لا يمكننا الجزم، ولكن يبدو أن هذا الموضوع قريب الحدوث”.
“قضية غير متماسكة قد تؤدي إلى نتائج عكسية”
وفيما يتعلق بسؤال عن احتمال اعتقال إمام أوغلو على غرار ما حدث مع رئيس بلدية بشكتاش، أوضح طيار: “إذا فتحت السلطات قضية أخرى ضد إمام أوغلو بأدلة غير قوية بما يكفي أو بدت وكأنها مجرد عملية سياسية، فإن هذا قد يرتد بنتائج عكسية”.
وأكد طيار أنه “يجب أن تكون القضية قائمة على أسس قانونية متينة؛ لأننا نتحدث هنا عن مرشح حزب الشعب الجمهوري المحتمل للانتخابات الرئاسية. أي خطوة غير مدروسة ستثير جدلاً واسعاً”.
وأضاف أن الاتهامات الموجهة ضد بلدية بشكتاش قد تنطبق بشكل مشابه على بلدية إسطنبول الكبرى، مما يشير إلى أن هناك استعدادات مسبقة قد تكون قيد التنفيذ بالفعل.
وكان زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل اتهم الرئيس أردوغان بالتصرف مثل “زعيم عصابة سياسية” بعد أن ألمح إلى اتخاذ إجراءات قانونية أخرى، في أعقاب اعتقال رئيس بلدية بشكتاش، في إشارة إلى اعتقالات جديدة محتملة ضد رؤساء البلديات، وعلى رأسهم رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو.
تحقيقات متزامنة ورسائل واضحة
يأتي التحقيق مع إمام أوغلو في وقت يتصاعد فيه الجدل حول سياسات الحكومة وسيطرة السلطة التنفيذية على القضاء. وتعكس هذه التطورات حالة الانقسام السياسي والاجتماعي التي تعيشها تركيا، مما يزيد من أهمية النقاش حول مستقبل الديمقراطية ودولة القانون في البلاد.